ادعمنا

سيادة البيض - White supremacy

على الرغم من أن الأبحاث الجينية أثبتت منذ فترة طويلة أنه لا يوجد أساس علمي لتصنيف الناس إلى أعراق، فإن التفوق العرقي يلعب دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية، ويمكن ملاحظة ذلك من حقيقة أن الذين يختلفون عن القاعدة البيضاء (التحيز للعرق الأبيض)، لا يتمتعون بنفس حق الوصول إلى الموارد الاجتماعية مثل الأشخاص الذين يتوافقون مع هذه القاعدة العرقية، كما يقول جيمس بالدوين James Baldwin في مقالته (غريب في قرية Stranger in the Village): "تعتمد فكرة تفوق البيض ببساطة على حقيقة أن الأشخاص البيض هم صانعو الحضارة (الحضارة الحالية، وهي الحضارة الوحيدة المهمة؛ جميع الحضارات السابقة هي مجرد مساهمات لحضارتنا) وبالتالي فهم حماة الحضارة والمدافعون عنها. وهكذا كان من المستحيل على الأمريكيين أن يقبلوا الشخص الأسود كواحد منهم، لأن فعل ذلك كان يعرضهم للخطر كأشخاص بيض. لكن عدم قبوله يعني إنكار واقعه الإنساني". بتتبع التطورات التاريخية للمفهوم، نجد أنه نما استخدام المستعمرين الأوروبيين لكلمة "أبيض" للإشارة إلى الأشخاص الذين يشبهونهم، ليصبح متشابكًا مع كلمتي "العرق" و "العبد" في المستعمرات الأمريكية في منتصف ستينيات القرن السادس عشر، حيث خلقت هذه النخب "أعراقًا" من الهنود "المتوحشين"، والأفارقة "غير البشر"، والرجال "البيض". نجح هذا الاختراع الاجتماعي أي التفوق العرقي في توحيد المستعمرين البيض، ونزع ملكية السكان الأصليين وتهميشهم، واستعباد معظم المنحدرين من أصل أفريقي بشكل دائم لأجيال متتابعة، منذ البداية، تطورت أفكار العرق والعنصرية في الثقافة الأمريكية، وتطورت الهوية العرقية لـ "البيض" عبر التاريخ. في البداية، كان يشير فقط إلى الشعب الأنجلو ساكسوني، بعد ذلك تم توسيع الذين ينتمون إلى فئة "البيض،" حيث أراد الناس مقاومة الأعداد المتزايدة من الأشخاص الملونين بسبب التحرر والهجرة. خلال القرن السابع عشر، تم إساءة استخدام العلم لتبرير ودعم التمييز العنصري من خلال اعتقاد علمي زائف يسمى ب "العنصرية العلمية Scientific racism"، حيث بنى فلاسفة التنوير الأوروبيون أفكارهم على أهمية التفكير العلماني والعقلانية والدراسة العلمية، في مقابل الفهم الديني القائم على الإيمان، كان الفلاسفة وعلماء الطبيعة يصنفون العالم من جديد ويوسعون هذا التفكير ليشمل شعوب العالم. هذه المعتقدات الجديدة، التي تطورت بداية من أواخر القرن السابع عشر وازدهرت خلال أواخر القرن الثامن عشر، جادلت بوجود قوانين طبيعية تحكم العالم والبشر. على مدى قرون، أصبحت الفكرة القائلة بأن الأشخاص "البيض" بطبيعتهم أكثر ذكاءً وقدرةً وإنسانيةً من غير البيض، مقبولةً في بقاع كثيرة من العالم، ثم أصبح هذا التصنيف للناس مبررًا للاستعمار الأوروبي وما تلاه من استعباد لشعوب من إفريقيا. 

في هذه المقالة سنركز على شرح النظرية العرقية النقدية وكيفية استخدامها كأداة لتحليل مفهوم سيادة البيض، لكن قبل ذلك، سنعطي لمحة تاريخية عنه، ثم نقوم بتشريحه لغويا واصطلاحيا مع استحضار مجموعة من الحجج والنظريات والتحليلات، لمنظري النظرية العرقية النقدية والماركسيين والمفكرين الراديكاليين السود.

 

المقاربة التاريخية لمفهوم سيادة البيض:

يتم تأطير سيادة البيض من خلال حركات اليمين المتطرف. على المستوى الأيديولوجي، من الممكن تحديد أصلها في الفكر المعادي للثورة ومكافحة التنوير في القرن التاسع عشر على يد الفيلسوف والمنظر السياسي جوزيف مايستر Joseph de – Maistre  (1753 – 1821). مصطلح "اليمين المتطرف" في حد ذاته لم يدخل حيز الاستخدام إلا بعد الثورة الفرنسية. ومع ذلك، فإن مصطلح اليمين المتطرف أو اليمين الراديكالي حديث نسبيًا، والأكثر من ذلك أن بعض الاشتقاقات ظهرت في السنوات الأخيرة مثل ما يسمى بـ "اليمين البديل" (بديل اليمين). يشير المصطلح إلى المكان الذي تَموْضَعَتْ فيه القوى المختلفة في البرلمان الفرنسي الذي ظهر بعد الثورة الفرنسية. حيث كان الملكيون والمحافظون دائمًا على الجانب الأيمن والليبراليون على اليسار.

حدثت ولادة هذه الحركات في سياقات مختلفة تمامًا عن السياقات الحالية، بشكل رئيسي في المناطق التي تم فيها تقديم الدعم لنسبة عالية من السكان الذين ينتمون لنفس الأيديولوجية. هكذا، على سبيل المثال، نشأت جماعة كو كلوكس كلان، التي تأسست في عام 1865 (نفس العام الذي تم فيه إلغاء العبودية في الولايات المتحدة)، والتي وصلت إلى ما يقرب من خمسة ملايين عضو في عام 1920، في بيئة لم تكن فيها أفكار تفوق العرق الأبيض والمسيحية والأهلانية - Nativism (هي نهج سياسي يقوم على حماية مصالح السكان الأصليين وتقديمها على مصالح المهاجرين)، مختلفة بشكل كبير، عن تلك التي أظهرتها الأغلبية البروتستانتية البيضاء -الأمريكيين البيض ذوي الأصول الإنجليزية أو الإيرلندية وهم كذلك بروتستانت منتمين للطبقة العليا البرجوازية المتعلمة- (بروتستانتي أنجلو-ساكوسني أبيض-White Anglo-Saxon Protestan). في النصف الأول من القرن العشرين، لقد كانت هذه الأيديولوجية في جوهرها، آلة سياسية وشديدة المركزية على المستوى الوطني. عندما يتعلق الأمر بالتحليل التاريخي لظاهرة تفوق العرق الأبيض وبالضبط في الولايات المتحدة، فمن الضروري ذكر الحرب الأهلية، حيث حاولت الولايات الكونفدرالية الجنوبية الحفاظ على عبودية السود. خلال القرن العشرين، تمكن اليمين المتطرف من حشد مجموعات مختلفة، وتجنيد عدد كبير من الأتباع، وإظهار نفسه من خلال أشكال متعددة من السيادة، اضطهاد الأجانب، معاداة السامية، كراهية النساء، والقومية. كانت منظمات مهيكلة للغاية ومنفتحة نسبيًا، سواء في التعرف على الأطراف الثالثة، بمساعدة المراجع الثقافية (العناصر المميزة لمجموعة سكانية معينة أو مجتمع معين أو مميزات دولة أو مدينة عن أخرى)، أو في طريقة الوصول إليها. إذن في الوقت الحاضر، نادرًا ما يجتذب اليمين المتطرف العنيف فئات كثيرة من السكان، وهي طبقات لا تكون مرئية دائمًا للطرف الثالث وبالتالي، فإن بعض أفكار التفوق، وخاصة تلك القائمة على العنصرية البيولوجية، يتم تهميشها وحظرها بشكل عام. لكن لا ينبغي التقليل من تأثيرها.

في الاستخدام الأكاديمي، وخاصة في استخدام النظرية العرقية النقدية، قد يشير مصطلح "سيادة البيض" أيضًا إلى النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي كمثل الحزب الجمهوري، حيث يتمتع البيض بميزة هيكلية (امتياز) على المجموعات العرقية الأخرى، سواء بشكل جماعي أو فردي. في النظرية العرقية النقدية، يتم التذرع بمفهوم التفوق الأبيض لوصف عملية وحالة مستمرة من الأمور السائدة في العالم الغربي، حيث يتم إعطاء امتيازات ومصالح للأشخاص المحددين بالأسبقية على مصالح مجموعات أخرى، من خلال الهياكل والممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تطورت على مدى قرون، ويتم الحفاظ عليها وإعادة إنشائها باستمرار من خلال الجهات الفاعلة والأفعال الفردية (واعية وغير واعية). تعتبر هذه الهياكل والممارسات بشكل عام أمرا مفروغا منها و"غير مرئية" في الحياة اليومية العادية للمجتمعات الغربية، وخاصة بالنسبة للبيض. وبالتالي، فإن "سيادة الأبيض" يأخذ معنى أكثر دقة وواسع النطاق مما هو مذكور في اللغة اليومية، حيث يتم حجزه عادة فقط لوصف مواقف وأفعال الجماعات العنصرية واليمينية المتطرفة وأفرادها مثل كو كلوكس كلان - The Ku Klux Klan، الحزب الوطني البريطاني - British National Party ، الحركة الوطنيةNational Action - ، وأعضائها.

لعبت النظرية العرقية النقدية CRT)) لمفهوم سيادة البيض دورًا رئيسيًا في تحليل قضية اللامساواة العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة على مدار الثلاثين عامًا الماضية أو نحو ذلك. على نحو متزايد، تم تطبيق هذا المفهوم في إطار الانضباط الأكاديمي للدراسات التربوية وتم قبوله من قبل علماء النظرية العرقية النقدية (CRT) الذين قاموا بدمجه باعتباره افتراضًا أساسيًا في تحليلاتهم للتفاوتات التعليمية (والأوسع). قبل الخوض في تعريف مفهوم سيادة البيض، لابد من تسليط الضوء على مفهوم النظرية العرقية النقدية.

إذن ما مفهوم النظرية النقدية؟ وكيف تبلورت وتطورت هذه النظرية؟ وما إطارها النظري والمعرفي؟ وكيف تعاملت هذه النظرية مع قضية عدم المساواة العرقية ؟

 

النظرية العرقية النقدية - Critical race theory:

تعود أصول النظرية العرقية النقدية (CRT) إلى حركة الدراسات القانونية النقدية (CLS) في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر السبعينيات. كانت الدراسات القانونية النقدية نتاج مجموعة من الباحثين القانونيين ذوي الميول اليسارية، بما في ذلك الماركسيون الجدد، كانت لديهم مخاوف بشأن ممارسة قانون أمريكا الشمالية، وتدريسه في الجامعات الأمريكية، الذي يديم عدم المساواة والتسلسل الهرمي الطبقي (والاقتصادي). أكد العلماء الذين تحالفوا مع الدراسات النقدية القانونية (CLS) أن الطبيعة السياسية للقانون كانت مسؤولة عن استمرار عدم المساواة، وأن الهياكل القانونية في الولايات المتحدة كانت نتاجًا وآليات للحفاظ على الأيديولوجية السياسية اليمينية المهيمنة في ذلك الوقت، ربما كان عدم الاعتراف بهذه الطبيعة السياسية للهياكل القانونية القائمة من قبل علماء القانون المعاصر هو أكبر عائق أمام قدرة القانون على التعامل بشكل كافٍ مع المظالم الاجتماعية السائدة آنئذ.

ظهرت نظرية العرق النقدية بعد فترة وجيزة من التحول في التنظير القانوني الذي أحدثته الدراسات النقدية CLS))، بسبب تركيز الدراسات القانونية النقدية CLS)) الضيق على قضايا الطبقة والهياكل الاقتصادية جنبًا إلى جنب مع التباطؤ المقلق في تقدم الحقوق المدنية، سعى العلماء الذين يتبنون منظور النظرية العرقية النقدية (CRT) إلى سد الفجوة في تفكير الدراسات القانونية النقدية (CLS) من خلال تحويل انتباههم النقدي إلى عدم المساواة العرقية المستمرة والعميقة الجذور في المجتمع الأمريكي. على الرغم من صعوبة تحديد ولادة الحركة بدقة، فقد تم استخدام اسم "النظرية العرقية النقدية" لأول مرة في ورشة عمل عام 1989.

من خلال توسيع وانتقاد تفكير الدراسات القانونية النقدية (CLS)، سعى علماء النظرية العرقية النقدية (CRT) إلى إنشاء قاعدة نظرية يمكن من خلالها فهم الطرق التي يعمل بها القانون لبناء والحفاظ على عدم المساواة العرقية في الولايات المتحدة. كان ظهور النظرية العرقية النقدية (CRT) ولادة مشروع متطور، ما بعد الحداثي، النقدي، الفكري والسياسي تم تنظيمه حول مفهوم العرق، كجزء من هذا المشروع، طورت النظرية العرقية النقدية (CRT) مجموعة من الأدوات النظرية القوية، بما في ذلك إعادة صياغة مفهوم "سيادة البيض"، والذي يمكن من خلاله تحليل العنصرية ومواجهتها. أصبح تطبيق النظرية العرقية النقدية (CRT) على مناطق خارج الدراسة القانونية واضحًا لأسلاف الحركة بعد وقت قصير من إنشائها، كان ذلك في منتصف التسعينيات تقريبًا عندما دخلت النظرية العرقية النقدية ( (CRT النظرية التعليمية في الولايات المتحدة.

لاسيما مع نشر مقال بعنوان (نحو النظرية العرقية النقدية للتعليم -Toward a Critical Race Theory of Education) للباحثان غلوريا لادسون بيلينغز- Gloria Ladson-Billings و وليام ف.تيت - William F. Tate  ، ولكن لم يكن الأمر كذلك إلا بعد عقد من الزمان عندما تم تأسيسها في منحة التعليم في المملكة المتحدة، (المقدمة الأكثر شمولاً إلى النظرية العرقية النقدية (CRT) في المملكة المتحدة، وتمت مناقشة استخدامها كإطار تحليلي في سياق التعليم، وتطبيق مثل هذا التحليل على النظام التعليمي في المملكة المتحدة قدمه جيلبورن-(Gillborn. اليوم، يتم استخدام النظرية العرقية النقدية (CRT) على نطاق واسع في تحليلات القضايا التعليمية المتعلقة بالعرق والعنصرية في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. على الرغم من تأثر النظرية العرقية النقدية (CRT) إلى حد ما في تطورها بالفكر اليساري (بما في ذلك الماركسية الجديدة)، بسبب الصدارة الماركسية للطبقة، وتركيز النظرية العرقية النقدية CRT)) على العرق، فقد نشأ توتر بين علماء النظرية العرقية النقدية (CRT) والبيداغوجيين الانتقاديين الذين يعتمدون في المقام الأول على التقليد الماركسي. إن الماركسية والنظرية العرقية النقدية(CRT)  ليستا متعارضتين بالضرورة، يجادل ميلز Mills-بأن النظرية العرقية النقدية (CRT) والماركسية هما نظريتان متوافقتان، ويجادل ليوناردو Leonardo-بأن التحليل الماركسي للتفاوتات العرقية مفيد للنقد المرتكز على عدم المساواة العرقية في التعليم (بما في ذلك النظرية العرقية النقدية-CRT)، لأنه يعمل ككابح على مثل هذا. نهج الميول إلى التجسيد وأساسيات العرق. ومع ذلك، قدم كول Cole -وميزوريا Maisuria- حججًا مفادها أن تحليلات النظرية العرقية النقدية (CRT) للتفاوتات العرقية أدنى من تلك التي يمكن تقديمها من خلال التحليل الماركسي الجديد، وأكدوا أن النظرية العرقية النقدية CRT)) غير فعالة في إحداث التغيير التحرري للمجموعات المضطهدة. لذلك تركز العديد من هذه الحجج على مفهوم "سيادة البيض" كما استخدمته النظرية العرقية النقدية (CRT) باعتباره معيبًا من الناحية النظرية وغير فعال لتحفيز العمل ضد العنصرية.

 

تعريف مفهوم سيادة البيض لغة واصطلاحا:

يأتي هذا المصطلح عبر استعمالات مثل: تفوق البِيض أو امتياز البِيض أو استعلاء البِيض، سنقوم بتشريحه لغويا مع تحديد مجموعة من التحليلات والتصورات لمفكرين ومنظرين لمفهوم سيادة البيض.

أولا مفهوم السيادة لغة واصطلاحا:

-السيادة لغة: جاءت من فعل ساد، وحسب معجم مختار الصحاح: {يقال: فلان سَيِّد قومه إذا أُريد به الحال، وسائِدُ إذا أُريد به الاستقبال، والجمع سَادَةٌ، ويقال: سادهم سُوداً سُودُداً سِيادةً سَيْدُودة استادهم كسادهم وسوَّدهم هو الـمسُودُ الذي ساده غيره فالـمُسَوَّدُ السَّيّدُ}. وخلاصة المعنى اللغوي للسيادة أنها تدل على المقدم على غيره جاهاً أو مكانة أو منزلة أو غلبة وقوة ورأياً وأمراً. أما كلمة السيادة إصطلاحاً: فيرى الأستاذ كاري دي مالبيرج - Carre de mailbag  بأن السيادة هي صفة أو هي إحدى خصائص السلطة العامة التي بموجبها لا ترضى بأي حال من الأحوال وجود سلطة أخرى فوقها. أما الأستاذ جان دبان - Jean Dabin فيعرفها بأنها المجتمع السامي الذي يخضع له الأفراد والجماعات. انطلاقا من التعريفيين السابقين لمفهوم السيادة، يمكن القول، أنها سلطة عليا ضمنت للمتمتع بها الاستقلالية وعدم الخضوع.

-تعريف البِيض لغة: البَياضُ ضد السواد، يكون ذلك في الحيوان والنبات وغير ذلك مما يقبله غيره، البياض: لون الأبيض، وقد قالوا بياض وبياضة كما قالوا مَنْزلِ ومَنْزلِة، وجمع الأبيض بِيضٌ، وأصله بُيَضٌ، بضم الباء، وإنما أبدلوا من الضمة كَسْرَةٌ لتصحَّ الياء، وقد أَباضَ وابْيَضَّ.

-تعريف البيض أو العرق الأبيض اصطلاحا:

تم استخدام مصطلح "العرق" بشكل غير متكرر قبل القرن الخامس عشر الميلادي، لتحديد مجموعات الأشخاص الذين لديهم صلة قرابة أو مجموعة إثنية، وهو مصطلح مختزل اخترعه الإنسان من أجل استخدامه لوصف وتصنيف الناس إلى مجموعات اجتماعية مختلفة، بناءً على خصائص مثل لون البشرة والسمات الجسدية والوراثة الجينية. أما كلمة "أبيض" لها معنى مختلف أيضًا، وتغيرت بمرور الوقت. قبل منتصف القرن السابع عشر، لا يوجد دليل على أن الإنجليز أشاروا إلى أنفسهم بأنهم "أناس بيض". لم يحدث هذا المفهوم حتى عام 1613، عندما إلتقى المجتمع الإنجليزي لأول مرة مع الهنود الشرقيين وتصارع معهم من أجل مساعيه الاستعمارية. حتى ذلك الحين، لم يكن هناك عدد كبير من الأشخاص الذين اعتبروا أنفسهم "بيض" كما نعرف المصطلح اليوم. من حوالي 1550 إلى 1600، تم استخدام كلمة "الأبيض" حصريًا لوصف النساء الإنجليزيات النخبويات، لأن بياض الجلد يشير إلى أنهن أفراد من طبقة اجتماعية عالية ولم تخرج للعمل. ومع ذلك، فإن مصطلح البيض لا يشير إلى نخبة الرجال الإنجليز لأن فكرة أن الرجال لا يغادرون منازلهم للعمل قد تشير إلى أنهم كسالى أو مرضى أو غير منتجين. في البداية، أشارت الهوية العرقية لـ "الأبيض" فقط إلى الشعب الأنجلو ساكسوني وقد تغيرت بسبب الزمن والجغرافيا. مع تطور مفهوم كون المرء أبيض، سيزداد عدد الأشخاص الذين يُعتبرون من البيض حيث أراد الناس مقاومة الأعداد المتزايدة من الأشخاص الملونين، بسبب التحرر والهجرة. يقول الناشط بول كيفيل: "البياض هي حدود متغيرة باستمرار تفصل بين أولئك الذين يحق لهم الحصول على امتيازات معينة عن أولئك الذين يبرر استغلالهم وتعرضهم للعنف من خلال عدم كونهم من البيض.

استنادًا إلى عالمة الاجتماع روث فرانكنبرج - Ruth Frankenberg والمتخصصة في دراسة عدم المساواة العرقية وبالتحديد، البناء الاجتماعي لمفهوم سيادة البيض، يمكن تعريف كونك أبيض على النحو التالي:

-كموقف من المزايا والامتيازات الهيكلية.

-كموقع يحدد المنظور الذي من خلاله يُنظر إلى الذات والآخرين والمجتمع.

-كمكان تتبلور فيه الممارسات والهويات الثقافية، نادرًا ما يتم تعريفها، ولكن لها وظيفة معيارية.

-كنظام قوة مبني اجتماعيًا متشابكًا مع هياكل أخرى للحكم مثل الطبقة والعرق والنوع الاجتماعي.

-تعريف مفهوم سيادة البيض لغويا:

يعرف قاموس ميريام وبستر merriam-webster مفهوم سيادة البيض: بأن العرق الأبيض يتفوق بطبيعته على الأجناس الأخرى وأن الأشخاص البيض يجب أن يتحكموا في الأشخاص من الأعراق الأخرى. أما قاموس كامبريدج Dictionary Cambridge عرفه بأنه: الاعتقاد بأن أصحاب البشرة الفاتحة أفضل من أصحاب البشرة الداكنة.

بالنسبة لتعريف المفهوم اصطلاحيا، تم سرد مجموعة من التصورات والتعريفات الأكاديمية لمفهوم سيادة البيض، سنبيّنها كالتالي:

 

التصورات الحالية لمفهوم سيادة البيض:

1-فرانسيس لي أنسلي-Frances Lee Ansley:

قدم فرانسيس لي أنسلي-Frances Lee Ansley وصفا لنظرية العرقية النقدية (CRT) لمفهوم سيادة البيض: "سيادة البيض" لا أقصد التلميح فقط إلى العنصرية الواعية بذاتها لمجموعات الكراهية المتعصبة للبيض، أشير بدلاً من ذلك إلى نظام سياسي واقتصادي وثقافي يسيطر فيه البيض بأغلبية ساحقة على السلطة والموارد المادية، وتنتشر الأفكار الواعية واللاواعية عن السيادة والاستحقاق الأبيض، ويتم إعادة تفعيل علاقات الهيمنة البيضاء والتبعية غير البيضاء يوميًا عبر مجموعة واسعة من المؤسسات والأوساط الاجتماعية".

على الرغم من أن النظرية العرقية النقدية(CRT) هي مدرسة واسعة، مع مجموعة متنوعة من علماء النظرية العرقية النقدية(CRT)  الذين يستخدمون مفاهيم مختلفة في جهودهم لتحليل وتحدي عدم المساواة العرقية، فإن التوصيف أعلاه لسيادة البيض ربما يكون المفهوم الأساسي والمقبول على نطاق واسع داخل المنظومة الفكرية. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة المعاصرة لتفوق البيض ليست مقصورة على النظرية العرقية النقدية-CRT (تم التعبير عن مفاهيم مماثلة عن سيادة البيض، على سبيل المثال، من خلال كتابات بول جيلروي-Paul Gilroy و بل هوكس Hooks - bell التي تتبنى وجهات نظر مختلفة) إلا أنه داخل النظرية العرقية النقدية(CRT)  تم شرح المفهوم بشكل كامل واكتسب انتشاراً كبيراً. 

2-ديفيد جيلبورن-David Gillborn:

يؤكد ديفيد جيلبورن-David Gillborn  أنه من بين المنظرين العرقيين النقديين، الذين يعتبرون التفوق الأبيض مفهومًا لا غنى عنه لمذهبهم: "يجادل بعض العلماء العرقيين النقديين بأن سيادة البيض ... هو أمر أساسي في النظرية العرقية النقدية(CRT)  مثل فكرة الرأسمالية بالنسبة للنظرية الماركسية والبطريركية بالنسبة للنسوية.

بهذه الطريقة، يؤدي مفهوم سيادة الأبيض وظيفة مهمة ثلاثية في النظرية العرقية النقدية (CRT). أولاً، إنه يبرز انتشار العنصرية ومكرها في المجتمعات الغربية ويؤكد عليها. وبذلك، فإن "سيادة الأبيض" يجسد كلًا من العنصر الهيكلي وخصائص العنصرية التي تظهر من خلال التصرفات والمواقف والمعتقدات الفردية والجماعية. ثانيًا، يسلط الضوء على طبيعة علاقة قوة مهمة في العالم الغربي: العنصرية ضارة بشكل ساحق للأشخاص الذين تم تحديدهم على أنهم غير بيض (وخاصة أولئك الذين تم تحديدهم على أنهم سود). على العكس من ذلك، فإن كون شخص ما أبيضاً (أي يُنظر إليه على أنه يمتلك البياض) يمنحه عددًا كبيرًا من الامتيازات لأنه يندرج تحت تصنيف التفوق العرقي للأبيض. لذلك يشير مفهوم "سيادة البيض" إلى تدفق في اتجاه واحد للسلطة، حيث تعود الفوائد على الأشخاص البيض، على حساب الأشخاص غير البيض. أخيرًا، يجسد مفهوم "تفوق البيض" فكرة أن العنصرية في المجتمعات الغربية هي شكل من أشكال الهيمنة، من قبل مجموعة محددة عنصريًا (البيض) على الآخرين. على هذا النحو، فإن التفوق الأبيض يجسد حقيقة أن العنصرية تعمل، جزئيًا، كعملية يعاد تأسيسها باستمرار من قبل العملاء البيض الذين يعملون ضمن أطر مجتمعية، تشجع وتسهل إعادة تنفيذ هذه العنصرية غير المتكافئة.

3-زيوس ليوناردوZeus Leonardo-:

يصف زيوس ليوناردو ميزة التفوق الأبيض هذه على النحو التالي:" الهيمنة البيضاء لا يتم تسويتها مرة واحدة وإلى الأبد، بل يتم إعادة إنشائها وإعادة بنائها باستمرار من قبل البيض من جميع مناحي الحياة، إنها ليست علاقة قوة تُؤَمِّنُهاَ العبودية أو قوانين جيم كرو أو التمييز العنصري وحده، إنها ليست عملية ذات بداية واضحة أو نهاية متوقعة. أخيرًا، لا يقتصر الأمر على الجماعات المتعصبة للعرق الأبيض. إنه بالأحرى مجال الأشخاص العاديين والمتسامحين ومحبي التنوع والمؤمنين بالعدالة".

بعبارة أخرى، الأشخاص البيض متواطئون في بناء وإعادة تفوقهم العرقي (الذي يستفيدون منه بعدة طرق)، أحيانًا عن علم، وأحيانًا عن غير قصد. هذا المكون الأخير من "سيادة البيض" الذي يجسد العنصرية كشكل الهيمنة هو أمر مهم لأنه يسلط الضوء على بُعد حاسم للعنصرية غالبًا ما يتم تجاهله في الروايات التي تؤكد على عدم المساواة العنصرية المعاصرة كشكل من أشكال الهيمنة، حيث يتم وصف الهيمنة العرقية على أنها حالة الوجود وليس كعملية، على سبيل المثال، في الخطابات التي تركز بشكل أساسي على "سيادة البيض"). الخطابات التي تبرز الحالات العنصرية، على حساب العمليات التي تخلق هذه الحالات، غالبًا ما تقدم المجتمعات العنصرية بطريقة تقلل أو حتى تلغي الدور الذي يلعبه الفاعلون في إدامة العنصرية (على سبيل المثال، يتم تقديم مزايا سيادة البيض على أنها تتلقى بشكل سلبي من قبل البيض). على الرغم من أنه يمكن الكشف عن بعض مجريات الأمور (خاصة عند مناقشة العنصرية مع الجماهير البيضاء) التي تركز على الطرق التي تتجلى بها الهيمنة العرقية، فمن الأهمية بمكان أن نتعامل في النهاية مع كيفية إعادة إنتاج الهيمنة البيضاء واستدامتها، ولماذا تستمر. لا توجد الهياكل العنصرية إلا من خلال السوابق التاريخية، المنفصلة عن الوكلاء المعاصرين. يوضح ليوناردو: "إذا كانت العلاقات العنصرية قد تم إنشاؤها من قبل الناس فقط في الماضي، فإن العنصرية لن تكون هائلة كما هي اليوم، يمكن اعتبارها جزءًا من سلة المهملات التاريخية وبقايا مجتمع قاس. إذا كانت العنصرية مجرد مشاكل أطلقها "البيض السيئون"، فإن البيض السيئين اليوم إما يفوقون "البيض الطيبين" أو يتغلبون عليهم. يصبح السؤال: من هم هؤلاء البيض السيئون؟ يجب أن يكون موقف الشخص الأبيض الجيد أن يعلن أن العنصرية تتعلق دائمًا بـ "البيض الآخرين"، ربما "هؤلاء البيض من الطبقة العاملة". هذه حجة عامة لخلق "عنصري" كالآخر دائمًا، الذات استثناء. نظرًا لوجود عدد قليل جدًا من البيض الذين يعتقدون بالفعل أنهم عنصريون، فلا يوجد أحد في الأساس عنصريًا والعنصرية تختفي بسرعة أكبر مما يمكننا وصفها. (كما نبه إلى ذلك عالم الاجتماع السياسي إدواردو بونيلا سيلفا Eduardo Bonilla-Silva-بقوله: "نحن نعيش في حالة تزدهر فيها العنصرية بغياب العنصريين". يجب أن يكون هناك تفسير بديل: بشكل عام، يعيد البيض خلق تفوقهم العرقي، على الرغم من النوايا الحسنة". 

لذلك، فإن مفهوم "تفوق البيض" كما يفهمه علماء النظرية العرقية النقدية(CRT) ، يجسد العنصرية كما هي موجودة في المجتمعات الغربية على أنها طبيعية ومستمرة، مما يفيد البيض على حساب غير البيض، وباعتباره مستدامًا، جزئيًا، من خلال تصرفات الأفراد والجماعات الذين يكتسبون مجموعة من الفوائد من استمرار وجودها.

4-نيلي فولر-Neely Fuller  :

الفرضية الأساسية للدكتور نيلي فولر-Neely Fuller   التي وضعها في كتابه " الكود/النظام/المفهوم التعويضي الموحد المستقل - The United-Independent Compensatory Code/System/Concept" هي:

"إذا كنت لا تفهم سيادة البيض (كعنصرية) - ما هو ، وكيف يعمل - كل شيء آخر تفهمه ، سوف يربكك فقط". يؤكد فولر فكرته عن وجود 3 أنواع أساسية من الناس في الكون المعروف هي: الناس البيض، غير البيض والمتعصبون للبيض / العنصريون.

قدم فولر تفسيراً مفاده، أن الأشخاص البيض هم "الأشخاص الذين يصنفون أنفسهم على أنهم "بيض" وقد تم تصنيفهم على أنهم "بيض"، ويتم قبولهم على أنهم "بيض"... ويعملون عمومًا على أنهم "بيض" في جميع مجالات النشاط الرئيسية التسعة". (وفقًا للمنطق الضبابي- fuzzy logic، هناك سبب للاعتقاد بأن ما يفعله كل شخص، أو يقوله كل يوم، له تأثير مباشر، أو غير مباشر، على ما يحدث لجميع الأشخاص في الكون، يعرف باسم "المجالات التسعة الرئيسية لنشاط البشر": الاقتصاد، التعليم، الترفيه، العمل، القانون، السياسة، الدين، الجنس، الحرب/ مكافحة الحرب). وقد عرّف غير البيض على أنهم "الأشخاص الذين تم تصنيفهم على أنهم" غير البيض "و / أو الذين يعملون عمومًا على أنهم " غير بيض" في علاقتهم ببعضهم البعض ..." هم أنفسهم "البيض"، والذين يعملون عمومًا كـ "بيض"، والذين يمارسون القهر العنصري (على أساس "بيض" -"غير بيض"، في أي وقت، في أي مكان، في أي واحد، أو أكثر من المجالات النشاط الرئيسية التسعة ".

5-تشارلز ويد ميلز-: Charles Wade Mills

العقد العنصري - The Racial Contract  هو مقال للفيلسوف الجامايكي تشارلز ويد ميلز يحاول فيه إظهار أنه على الرغم من التقليد السائد لتمثيل العقد الاجتماعي، فإن النظريات الأخلاقية والسياسية لتوماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو وإيمانويل كانط، محايدة بخصوص العرق والإثنية، في الواقع، فهم الفلاسفة أنهم ينظمون العلاقات بين البيض فقط؛ فيما يتعلق بغير البيض، ساعد هؤلاء الفلاسفة في إنشاء "عقد عرقي"، والذي سمح بشكل رسمي وبغيره للبيض بقمع واستغلال غير البيض وانتهاك مُثلهم الأخلاقية في التعامل مع غير البيض. لأنه في الفلسفة السياسية المعاصرة، يأخذ الفلاسفة البيض امتيازهم الأبيض كأمر مسلم به، فهم لا يدركون أن التفوق الأبيض هو نظام سياسي، لذلك في تصوراتهم للنظرية المثالية والأخلاقية والسياسية، لا يفكرون أبدًا في الممارسة الفعلية. يقترح ميلز تطوير نظرية غير مثالية "لشرح وفضح عدم المساواة في السياسات الحالية غير المثالية ولمساعدتنا على رؤية النظريات والمبررات الأخلاقية المقدمة للدفاع عنها". باستخدامه كمفهوم مركزي، "قد يكون مفهوم العقد العنصري أكثر كشفًا عن الطابع الحقيقي للعالم الذي نعيش فيه، وأوجه القصور التاريخية المقابلة في نظرياته وممارساته المعيارية، من مفاهيم عدم وجود عرق مهيمن حاليًا في السياسة". 

يجادل ميلز بأن العنصرية هي جوهر "العقد الاجتماعي"، بدلاً من أن تكون العنصرية نتيجة غير مقصودة تُعزى إلى إخفاقات الرجال غير الكاملين. على وجه التحديد، العقد العرقي هو اتفاق ضمني (وأحيانًا صريح) بين أعضاء قبائل أوروبا لتأكيد، وتعزيز، والحفاظ على نموذج تفوق البيض ضد جميع القبائل الأخرى في العالم. هذه النية متعمدة وجزء لا يتجزأ من العقد الاجتماعي، وهي سمة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. بكلمات ميلز، "... ما تم اعتباره عمومًا ... كان" استثناء "عنصريًا هو القاعدة في الواقع؛ ما تم اعتباره" قاعدة "... [المساواة العرقية] ... كان الاستثناء ". ومع ذلك، يجادل ميلز بأن مُثُل العقد الاجتماعي هذه هي في أسوأ الأحوال محض خيال أو في أفضل الأحوال، كان من المفترض أن تنطبق فقط على مجموعة معينة من الأشخاص، أي أعضاء قبائل أوروبا وأحفادهم الجينية. "... عندما يقول البيض" العدالة "، فإنهم يقصدون" نحن فقط".

6-جيسي دانيلز-Jessie Daniels :

في العنصرية السيبرانية-Cyber ​​Racism، توضح جيسي دانيلز كيف تطورت سيادة البيض من وسائل الإعلام المطبوعة إلى العصر الرقمي، على عكس الصورة النمطية الشائعة القائلة بأن العنصريين البيض هم "سكان تلال منعزلة" وهم أميون من الناحية التكنولوجية، تبيين دانيلز بشكل فعال كيف استخدم المتعصبون البيض الاتصالات الإلكترونية لنشر المزيد من الأجندات العرقية ذات الدوافع السياسية، تتضمن بعض القضايا الناشئة التي تم تناولها في العنصرية السيبرانية التفوق الأبيض المعولم، وتشكيل بياض "نصف محلي"، وصراعات الدولة فيما يتعلق بتنظيم خطاب الكراهية على الويب، ومواقع الويب المغطاة بسيادة البيض التي تتحدى المعرفة العامة حول المسائل العرقية. يساعد هذا الكتاب في ملء الغياب الأدبي، حيث لا يزال تقاطع تفوق البيض في العصر الرقمي غير مستكشَف إلى حد كبير من قبل علماء العرق والرقميين على حد سواء. تبدأ دانيلز بتحدي فكرة أن الإنترنت منتدى ديمقراطي وفضاء محايد من حيث العرق، وهي تؤكد أن الإنترنت جزء لا يتجزأ من المجتمع الاجتماعي مع نفس الصراعات السياسية التي تسود الحياة اليومية "غير الإلكترونية". علاوة على ذلك، تشكل الإنترنت أرضًا خصبة للحركات الاجتماعية لتفوق البيض لكي تتجذر في سياق عالمي. لم تعد الجغرافيا تمثل نفس العقبات التي كانت تمثلها في السابق لمنع التعبئة الجماعية، بل يوفر الويب منتدى حيث يمكن للأفراد من جميع أنحاء العالم المشاركة في سيادة البيض. ومع ذلك، كما تشير دانيلز، فإن هذه المشاركة لها درجات متفاوتة.

تتناول دانيلز أيضًا خطاب التفوق الأبيض، من خلال منتديات الاتصال اللامركزية مثل لوحات المناقشة، أصبح الحوار تشاركيًا. هذا يغير طبيعة خطاب التفوق الأبيض لأن المجموعات التي كانت مستبعدة سابقًا، مثل النساء، لديها المزيد من الفرص للمشاركة. هناك مجال آخر للخطاب يحظى بقدر كبير من التركيز وهو المواقع الإلكترونية المغطاة، والتي تعمل كأدوات للتحريف التاريخي. أنشأت منظمات سيادة البيض مواقع ويب تبدو شرعية (على سبيل المثال، www.martinlutherking.org)، والتي تتحدى المعرفة الشائعة حول الأحداث العرقية، ومن ضمنها: العبودية، الهولوكوست، وحركة الحقوق المدنية. تقوم دانيلز بتشريح شامل للخطاب المتضمن في مثل هذه المواقع، لكن تحليلها يمتد إلى ما هو أبعد من التركيز على النص فقط. تفسر كيف يفهم الجمهور هذه المواقع وشرعيتها باستخدام دراسة حالة صغيرة. تنهي دانيلز كتابها بدعوة من أجل التغيير: إذا كان للعدالة العرقية أن تتحقق، فإن التقاعس عن العمل ليس خيارًا. يجب أن يسعى الناس بشكل جماعي إلى تعليم العدالة الاجتماعية، ومحو الأمية الرقمية، والعمل السياسي. على الرغم من أن العنصرية السيبرانية تقدم تحليلًا متطورًا وطموحًا للغاية، إلا أنه لا يخلو من العيوب، حيث تتضمن بعض المشكلات المتأصلة في تحليل دانيلز المبالغة في النظرية، والتناقض المنهجي، وعدم التوافق بين كيفية تفعيل ودراسة تفوق البيض. النقد السابق ليس شاملاً، لكنه يعزز النقاش حول كيفية فهم سيادة البيض في العصر الإلكتروني بشكل أفضل. بعد كل شيء، من بين الخطوات الأولى نحو تفكيك مفهوم سيادة البيض، هو فهم كيفية عملها بشكل كامل، على الرغم من الادعاءات القائلة بأن هذه النظرية لها قابلية التطبيق كنظرية عالمية، إلا أن التركيز في جميع أنحاء نظرية "العنصرية السيبرانية" يظل محدودًا بشكل ضيق على النشاط في الدول الغربية، حيث تؤكد دانيلز أنها التقطت مفهوم جو فيجين "الإطار العنصري الأبيض-the white racial frame " ووسعته إلى سياق عالمي، هذه مبالغة في النظرية، نظرًا لأن تأثير العنصرية السيبرانية على البلدان غير الغربية لم يتم التعامل معها و النظر فيها، فمن غير المعروف كيف يؤثر الإطار العنصري الأبيض على البلدان التي تتكون في الغالب من الأشخاص الملونين. لا يمكن تطبيق نظرية دانيلز عالميًا دون المزيد من الإثباتات التجريبية.

نستخلص مما سبق ذكره، أن معظم التصورات الحالية لمفهوم سيادة البيض (أنسلي، ميلز، جيلبورن، ليوناردو، دانيلز، فولر) تؤكد على أنه نظام سياسي واقتصادي وثقافي، يقوم على سيطرة العرق الأبيض على السلطة والموارد المالية، بِناءاً على تفوقه.

-التعريف الإجرائي لمفهوم سيادة البيض:

سيادة البيض هي أيديولوجية عنصرية ترتكز على الإيمان وتعزيزه، بأن العرق الأبيض يتفوق في بعض الخصائص والصفات على أشخاص من أعراق أخرى، وبالتالي يجب أن يسيطر البيض سياسياً، اقتصاديًا واجتماعيًا على الأشخاص غير البيض. يُستخدم هذا المصطلح أيضًا بشكل شائع لوصف إيديولوجية سياسية تديم وتحافظ على الهيمنة الاجتماعية والسياسية والتاريخية والصناعية للهوية البيضاء، كما يتضح من الهياكل الاجتماعية والسياسية المعاصرة والتاريخية، مثل تجارة الرقيق في الأطلسي، العبودية وقوانين جيم كرو في الولايات المتحدة والفصل العنصري. كذلك تخلق الأشكال المختلفة لمفهوم سيادة البيض مفاهيم مختلفة لمن يتم اعتباره أبيضاً، حيث يحدّد أنصار تفوق البيض المجموعات العرقية والثقافية المختلفة على أنها العدو الرئيسي لهم، لذلك تضطهد الجماعات المتعصبة من البيض الأشخاص الملونين والمهاجرين واليهود.

 

خصائص مفهوم سيادة البيض:

مصطلح سيادة البيض منتشر، على الرغم من استخدامه على نطاق واسع في الولايات المتحدة، كما سبقت الإشارة إليه، في التعريف الإجرائي، على أنه أيديولوجية عنصرية تقوم على امتياز العرق الابيض، الذي يجب أن يتمتع بالسلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك تساهم خصائص في تكوين هذه الايديولوجيا العنصرية:

- ظاهرة وبنية اجتماعية.

- حركة أيديولوجية تقوم على المعتقدات والعادات والأفعال.

- نظام (سياسي، اجتماعي، اقتصادي، فلسفي، أخلاقي)، ومشروع سياسي، هناك تهجين واضح للحركة مع النظام السياسي وتسلل للجيش والقوى الأمنية. في السنوات الأخيرة، لوحظ كيف تم تنفيذ بناء علني ومفتوح للكراهية العرقية والدينية في المجال السياسي.

- يقوم على تفوق العرق الأبيض، وتهديد باقي الأعراق لتلك السيادة، والذي يتم تقديمه باستخدام الضحية ويحاول مناقشة مواقفه على أساس نظريات المؤامرة.

-ذو طبيعة عنصرية واضحة في الدعوة لعدم المساواة. تعرّف الأكاديمية الملكية الإسبانية العنصرية على أنها "تفاقم الحس العرقي لمجموعة عرقية والذي عادة ما يحفز التمييز أو الاضطهاد ضد شخص آخر أو آخرين يعيشون معهم".

- يحافظ على المستوى الفردي ومستوى المجموعة. في الواقع، لا يعتمد بشكل كامل على نظام قائم على وجود مجموعات وانتماءات فردية، حتى في الأوقات التي تتيح فيها الإنترنت ربط الأفكار والمشاعر الفردية عن بعد في الشبكات.

 

المرتكزات الإيديولوجية العنصرية لمفهوم تفوق البيض:

تشير رابطة مكافحة التشهير-The Anti-Defamation League (ADL) إلى الركائز الأربع للتفكير العنصري لمفهوم سيادة البيض:

-يجب أن يهيمن البيض على الأجناس الأخرى.

-يجب أن يعيش البيض فقط في المجتمعات البيضاء.

-يتمتع البيض بثقافتهم الخاصة متفوقة على البقية.

-يتفوق البيض وراثيا على الأجناس الأخرى.

أحد الجوانب الأساسية في إيديولوجية سيادة البيض هي معاداة السامية، باعتبار اليهود جنسًا طفيليًا وقادة لمؤامرة عالمية لإنهاء النظام وبناء عالم جديد، يشير مركز قانون الحاجة الجنوبي-The Southern Poverty Law Center (SPLC) إلى أن جميع حركات سيادة البيض هي مناهضة للسود ومناهضة للمسلمين واليهود ومناهضة للمهاجرين. ومعظمهم أيضًا يركزون هجماتهم على المثليين والسحاقيات والحركات النسوية.

 

النقد الماركسي لمفهوم "سيادة البيض":

على الرغم من الفائدة النظرية لمفهوم "سيادة البيض" الذي استخدمته النظرية العرقية النقدية(CRT)  كما هو موصوف سابقا، فقد تم انتقاده مرارًا وتكرارًا من طرف المنظور الماركسي، الذي يحدد سبع مشاكل جوهرية مع "سيادة البيض" كما يستخدمها علماء النظرية العرقية النقدية CRT - . وفقًا لدكتور مايك كول – Dr. Mike Cole والباحث في الماركسية والعنصرية والنظرية العرقية النقدية لمفهوم سيادة البيض، فأنّ هذه المشاكل السبع للمفهوم تنبني كالآتي:

1-يصرف الانتباه عن أنماط الإنتاج.

2-يجانس جميع البيض.

3-لا يمكن تفسير العنصرية غير المشفرة بالألوان.

4-لا يمكن تفسير الأشكال الأحدث للعنصرية مثل العنصرية الهجينة (مثل الإسلاموفوبيا، حيث يتم الجمع بين العنصرية "التقليدية" القائمة على لون الجلد مع مواقف التعصب الديني).

5-لا يمكن تفسير العنصرية التي تنطوي على قيام فاعلين من غير البيض بالتمييز ضد الممثلين الآخرين من غير البيض.

6-له استخدام تاريخي لا يشير إلى العنصرية اليومية التي وصفها علماء النظرية العرقية النقدية CRT، وفي هذا الاستخدام، يرتبط بأشياء مثل الفاشية وغيرها من الإيديولوجيات اليمينية المتطرفة. يجب أن يحافظ التفسير الشامل للعنصرية على تمييز نظري بين الفاشية والعنصرية.

7-ضار في التحفيز على اتخاذ إجراءات ضد العنصرية (خاصة للبيض).

هذه الانتقادات مترابطة، لكن يمكن تصنيفها في أربع فئات عامة:

-الفئة الأولى: النقطة الأولى لكول، هي في الحقيقة الجوهر النظري لهذا النقد الماركسي الخاص، حيث يتأسف على عدم وجود صلة بين مفهوم تفوق البيض والقاعدة المادية للإنتاج في المجتمعات الرأسمالية والظروف الهيكلية والتاريخية المحددة التي مكنت من عدم المساواة العرقية في الظهور والاستمرار. بالنسبة لكول، فإن استخدام "تفوق البيض" لشرح وتوصيف الطبيعة والوجود المستمر للعنصرية والتفاوتات التي تولدها في العالم الغربي يخطئ ببساطة في تحديد السبب الأساسي لعدم المساواة ويفتقر إلى أي قوة تفسيرية: بينما من المؤكد بالنسبة للماركسيين، أن هناك استمرارية للعنصرية لمئات السنين، فإن مفهوم "تفوق البيض" لا يفسر في حد ذاته هذه الاستمرارية، لأنه لا يحتاج إلى الاتصال بأنماط الإنتاج والتطورات في الرأسمالية.

-الفئة الثانية: انتقادات كول رقم اثنين وسبعة تركز على كيفية استخدام "تفوق البيض" في تمييز الأشخاص البيض (بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية) وكيف يستفيدون أو لا يستفيدون من العنصرية. على وجه التحديد، يشعر كول بالقلق من دمج البيض المحرومين اقتصاديًا مع النخبة الاقتصادية البيضاء كمستفيدين من العنصرية. يهتم كول أيضًا بالحاجة إلى نظرية شاملة لا تنفر الطبقة الثورية المحتملة (الطبقة العاملة البيضاء) على أساس أنها (عن طريق الخطأ) توصف بأنها "متطرفة للبيض"، وبالتالي فهي جزء من نخبة متجانسة وقمعية، نخبة ليس لديها سوى القليل أو لا شيء مشترك مع السود المضطهدين وغيرهم من الجماعات ذات الأقليات العرقية.

-الفئة الثالثة: الانتقادات رقم ثلاثة وأربعة وخمسة تتعلق بجانب مختلف من القوة التفسيرية لـ "سيادة البيض"، وتشير بشكل أساسي إلى أن المفهوم ليس دقيقًا بما يكفي لشرح مجموعة كاملة من الأشكال المختلفة للعنصرية التي ليست (على الأقل باعتبارها الاسمي) على أساس تمييز ثنائي أبيض / أسود.

-الفئة الرابعة: النقد رقم ستة هو أكثر من مجرد نقطة دلالية. يشير كول إلى أن الفاشيين (بما في ذلك اليمين البديل) عنصريون من نواحٍ عديدة، بما في ذلك كونهم معادون للسامية بعمق (شكل من أشكال العنصرية لا يعتمد على ثنائية الأسود / الأبيض). علاوة على ذلك، منذ صعود دونالد ترامب - Donald Trump ، أصبح تفوق البيض بمعناه التقليدي أكثر انتشارًا. ليس من المفيد تصنيف الفاشية (بما في ذلك اليمين البديل) والاعتداءات الجزئية العنصرية وغيرها من الأشكال الخفية للعنصرية التي وصفها منظرو العرقية النقدية جميعها تحت نفس تسمية "سيادة البيض". إن الفئتين الأوليتين من انتقادات كول التي تهتم بها هذه الورقة في المقام الأول.

*ملاحظة هامة: ليس فقط مايك كول   Mike Cole - وميسوريا ألبيشMaisuria  Alpesh -  اللذان قدما التفسير الماركسي الوحيد الممكن لعملية العنصرية وكيف أن العرق الأبيض متورط في التمييز العنصري في المجتمعات الرأسمالية الحديثة، أيضا يقدم بريستون-John Preston تفسيرًا ماركسيًا بديلاً للعنصرية، حيث يُفسر البياض بشكل أكثر تجريدًا على أنه شكل من أشكال رأس المال الذي يعتبر وجوده أو غيابه مسؤولاً عن الانقسامات العنصرية التي نراها في الغرب. يتناقض هذا مع تفسيرات كول وميسوريا، وتفسيرات كول المتجذرة في التعامل مع التمييز العنصري للناس كعملية أيديولوجية، مدفوعة بعلاقة مع أنماط الإنتاج والاحتياجات المتغيرة للاقتصادات الرأسمالية.

 

مفهوم العنصرية:

لا يمكن تعريف العنصرية دون تحديد العرق أولاً. بين علماء الاجتماع، يُفهم "العرق" عمومًا على أنه بناء اجتماعي. على الرغم من عدم وجود معنى بيولوجيًا عند تطبيقها على البشر -الاختلافات الجسدية مثل لون الجلد ليس لها ارتباط طبيعي بالاختلافات الجماعية في القدرة أو السلوك -إلا أن العرق له أهمية هائلة في هيكلة الواقع الاجتماعي. في الواقع، قدم التاريخ تبايناً في تعريف المصطلح واستخدامه، مثالاً على ذلك، فقد استخدم مصطلح العرق لأول مرة لوصف الشعوب والمجتمعات بالطريقة التي نفهم بها الآن العرق أو الهوية الوطنية. في وقت لاحق، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما واجه الأوروبيون حضارات غير أوروبية، أعطى علماء التنوير والفلاسفة للعرق معنى بيولوجيًا، حيث قاموا بتطبيق المصطلح على النباتات والحيوانات والبشر كتصنيف فرعي تصنيفي داخل النوع. على هذا النحو، أصبح العرق يُفهم على أنه نظام تصنيف بيولوجي أو طبيعي للأنواع البشرية. مع توسع الاستعمار الغربي والعبودية، تم استخدام المفهوم لتبرير ووصف الاستغلال والسيطرة والعنف ضد الشعوب التي تم تصنيفها على أنها غير بيضاء. اليوم، يحتفظ العرق غالبًا بمعناه "الطبيعي" في التفاهمات الشعبية؛ ومع ذلك، فإن الإجماع العلمي يؤكد أن العرق لا يوجد كفئة بيولوجية بين البشر -التباين الجيني أكبر بكثير داخل المجموعات "العرقية "، وتوجد العلامات الجينية للنمط الظاهري -النمط الظاهري هو التكوين الظاهري الفيزيائي للكائن الحي-الشائعة في سلسلة متصلة، وليس في فئات منفصلة، ويختلف استخدام هذه العلامات وأهميتها عبر الزمان والمكان وحتى داخل الفرد ذاته. بالنسبة لمعظم علماء الاجتماع، يختلف "العرق" عن "الإثنية"، لأن الاختلاف الرئيسي هو افتراض الأساس البيولوجي بالنسبة لمصطلح "العرق". تتميز الأعراق بخصائص جسدية مشتركة متصورة، والتي يعتقد أنها ثابتة، في حين يتم تعريف الأعراق من خلال السلالة المشتركة المتصورة والتاريخ والممارسات الثقافية، والتي يُنظر إليها على أنها أكثر مرونة وتأكيدًا على الذات بدلاً من تعيينها من قبل الآخرين. وهكذا، يُعتبر الآسيويون عادةً "عرقًا"، في حين يُعتبر التبتيون والبنغاليون مجموعة إثنية. على الرغم من تداخل العرق والجنسية في كثير من الأحيان، إلا أن الجنسية، مثل الأمريكية، يمكن أن تحتوي على العديد من المجموعات العرقية (على سبيل المثال، الأمريكيون الإيطاليون، والأمريكيون العرب). ومع ذلك، فإن الفئات الثلاث -العِرْق، والإثنية، والجنسية -مبنية اجتماعياً، وعلى هذا النحو، فإن المجموعات التي كانت تُعتبر ذات يوم مجموعة إثنية أصبحت تُعتبر أعراقًا والعكس صحيح. علاوة على ذلك، تم استبعاد بعض المجموعات التي تعتبر الآن من المسلمات على أنها "بيضاء"، مثل الأيرلنديين والإيطاليين واليهود، من هذه الفئة العرقية. تتشكل الحدود التعريفية للعرق والإثنية من خلال شد وجذب سلطة الدولة، ومصالح المجموعة، والقوى الاجتماعية الأخرى. 

من منظور علم الاجتماع، فإن هذا البناء الاجتماعي للعرق -وليس مفهومه "البيولوجي"- هو الهدف الأساسي للبحث في دراسة العنصرية، فقد تم تجميعه مع تصنيفات القرن الثامن عشر للمجموعات العرقية المختلفة كانت تأكيدات على التفوق الأخلاقي والفكري والروحي وغيرها من أشكال التفوق، والتي استخدمت لتبرير هيمنة الأوروبيين على الآخرين الذين يعانون من العنصرية. في سياق أمريكا الشمالية، كانت الايديولوجية العنصرية بمثابة تبرير لمصادرة الأراضي والعنف الاستعماري تجاه الشعوب الأصلية وكذلك استعباد الأفارقة. ابتداء من القرن السادس عشر، تم استخدام الايديولوجية العنصرية لاحقًا لتبرير العنف الاجتماعي والاقتصادي والرمزي الذي تجيزه الدولة والموجه ضد السود والأقليات الأخرى بموجب قوانين جيم كرو. في منتصف القرن العشرين، غيّرت حركة الحقوق المدنية الأمريكية، والحركات العالمية المناهضة للاستعمار، والموجات المتزايدة من الهجرة غير الأوروبية إلى الغرب طريقة تفكير الأفراد والجماعات والدول القومية عن مفهوم العرق وحددت رؤية مختلفة له عن التصنيف السابق. كانت المهمة الرئيسية لعلماء الاجتماع هي تقييم هذه التغييرات وآثارها على التمييز العنصري وعدم المساواة.

لقد نشأت نظريات مختلفة لتعريف العنصرية وتفسيرها، من الناحية اللغوية، تم تحديد العنصرية في جامعة أكسفورد الإنجليزية The Oxford English Dictionary باعتبارها النظرية القائلة بأن الخصائص والقدرات البشرية المميزة يتم تحديدها من خلال العرق. بينما يعتقد قاموس ميريام وبستر The Merriam-Webster Dictionary بأن العرق هو المحدد الأساسي للسمات والقدرات البشرية وأن الفروق العرقية تنتج تفوقًا أو دونية متأصلة لمجموعة عرقية خاصة. في المصادر الأخرى، تم تحديد الكلمة بحيث تشمل أكثر من نظرية أو اعتقاد، بحجة أنها تشير، على سبيل المثال، إلى الآراء والممارسات والتفاعلات التي تعكس الاعتقاد. في العلوم الاجتماعية، يعد تعريف العنصرية أمرًا مثيرًا للجدل لأن العلماء المتعددين يستخدمون الكلمة لأغراض مختلفة. أما اصطلاحا فالعنصرية هي نظرية تفوق مجموعة على مجموعة أخرى تنتمي إلى مجموعة إثنية أو أعراق مختلفة، إن العنصرية تسعى إلى نظام هرمي بين المجموعات العرقية من أجل تبرير الامتيازات والمزايا التي تتمتع بها المجموعة المهيمنة.  

 

المقاربة الماركسية الجديدة للعنصرية:

يقترح كول، متابعًا تحليلات روبرت مايلز-Robert Miles، أن مفهومًا أكثر ملاءمة (ماركسيًا جديدًا) لشرح الطبيعة المستمرة واليومية لتمييز العنصري في المجتمعات الرأسمالية الحديثة هو مفهوم العنصرية. حسب كول:

"تشير العنصرية إلى تصنيف الناس (على نحو زائف) إلى "أعراق" مميزة. يختلف المفهوم الماركسي الجديد للعنصرية عن التفسيرات الأخرى للعنصرية من حيث زعمه أنه من أجل فهم العنصرية ومكافحتها، يجب أن نربط العنصرية والتفوق العرقي بالعوامل التاريخية والاقتصادية والسياسية. على وجه التحديد، فإن المفهوم الماركسي الجديد للعنصرية يقيم الصلة بين العنصرية وأنماط الإنتاج الرأسمالية، فضلاً عن إقامة روابط لأنماط الهجرة التي تحددها الديناميكيات الاقتصادية والسياسية".

ضمن هذا الإطار الماركسي الجديد يوضح كول أن العنصرية هي عملية أيديولوجية، والغرض منها هو توفير قوة عاملة عنصرية تحافظ على الهياكل الرأسمالية، وعدم المساواة المصاحبة، والانقسامات بين الطبقة العاملة. في هذه الصيغة لعمليات التمييز العنصري، يعتمد كول على تفسيرات مايلز، حيث يتم تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس وفقًا للاختلافات البيولوجية (الحقيقية والمتخيلة) جنبًا إلى جنب مع الخصائص الثقافية. بناءً على تفسيرات مايلز، يدمج كول عددًا من العوامل الأخرى، جنبًا إلى جنب مع العلامات البيولوجية والثقافية، التي تشكل وتحرك عملية التمييز العنصري: المواقف والأفعال العنصرية المتعمدة وغير المقصودة؛ المواقف "الإيجابية ظاهريًا" تجاه الأقليات العرقية ذات الآثار العنصرية في نهاية المطاف؛ العنصرية المهيمنة (العنصرية التي تهدف إلى قمع الأقليات العرقية)؛ العنصرية المقِيتَة (العنصرية التي تهدف إلى استبعاد الأقليات العرقية)؛ والعنصرية العلنية والسرية.

مرة أخرى، يؤكد مايلز أن العلاقات العنصرية والاجتماعية الموجودة والتي يتم بناؤها باستمرار في المجتمعات الغربية المعاصرة عبر عملية التمييز العنصري لا يمكن فهمها بالكامل دون الاعتراف بالدور الذي تلعبه أنماط الإنتاج في تحفيز هذه العملية، وأن هذه العلاقات العنصرية والاجتماعية هي دالة لعمليات الإنتاج المادي. وبالتالي فإن المفهوم الماركسي الجديد يفسر بطبيعته التمييز العنصري. يؤكد ليوناردو أن هذا التفسير للعنصرية، على الرغم من الاعتراف بالحاجة إلى الحفاظ على المفاهيم المتعلقة مباشرة بالعرق والعنصرية، يعتمد في النهاية على المفاهيم الماركسية للطبقة والرأسمالية: "[التصنيف العرقي والعنصرية] لا تشير إلى العلاقات العرقية على هذا النحو بل التناقضات الطبقية الموجودة في الرأسمالية، والتي قد تتخذ أشكالها شكلاً مختلفًا، مثل "العرق"، ولكن وظيفتها النهائية تظل كما هي، وهي استخراج فائض القيمة".

باستخدام هذا المفهوم الماركسي الجديد للعنصرية بدلاً من مفهوم النظرية العرقية النقدية CRT)) للسيادة البيضاء لتوصيف وشرح العنصرية داخل المجتمعات المعاصرة، تتمتع المجتمعات الغربية بميزة تجنب أوجه القصور في "سيادة البيض" المذكورة أعلاه. على وجه التحديد، بالنسبة لكول، فإن "العنصرية" هي مفهوم يوفر الأسس السياسية والتاريخية والمادية اللازمة لشرح انتشار العنصرية وتوفير الزخم لاتخاذ إجراءات ضدها.

 

تجانس البيض وتحفيز عمل مكافحة العنصرية:

يفسر وجود سيادة البيض في المجتمعات الغربية المعاصرة، إلى حد كبير (لعلماء النظرية العرقية النقدية CRT على الأقل) التوزيع غير المتكافئ للثروة والامتيازات عبر المجتمعات الغربية (إلى جانب أشكال أخرى من عدم المساواة غير المرتبطة بالثروة المادية). فرص الحياة والثروة المادية للبيض أفضل في المتوسط ​​، بين سكان العالم الغربي مقارنة مع غير البيض، مع الادراك بأن المطالب بعدم المساواة المدفوعة بامتياز البيض، ليست تأكيدات على أن جميع البيض أفضل حالًا من جميع الأشخاص غير البيض، يعترض كول على مفهوم النظرية العرقية النقدية (CRT) لـ "تفوق البيض" لأنه يعامل جميع البيض على أنهم مستفيدون من العنصرية، ولا يعطي مصداقية كافية للدور الذي تلعبه الطبقة الاجتماعية في التقسيم غير المتكافئ للامتيازات والموارد المادية في المجتمعات الغربية الرأسمالية. لا ينبغي تجاهل محنة الطبقة العاملة البيضاء: «... يجب ألا نغفل عن فرص الحياة لملايين من الطبقة العاملة من البيض، الذين هم إلى جانب المجموعات العنصرية، جزء من 99 في المائة، وليس 1 في المائة». بالنسبة لكول، تشارك الطبقة العاملة البيضاء، إلى حد كبير، هويتها مع السود وغيرهم من الأقليات العرقية باعتبارها الطرف المتلقي لعدم المساواة الرأسمالية.

يواصل كول أن استخدام النظرية العرقية النقدية (CRT) لـ "تفوق البيض" لا يخلق فقط روايات لا تعترف بوجود فقراء البيض الذين يعانون أيضًا في ظل الرأسمالية، ولكنه أيضًا يضع هؤلاء البيض الفقراء كسبب رئيسي مساهم في عدم المساواة العرقية والاقتصادية الموجودة في البلدان الرأسمالية، وهي تبالغ في الفوائد التي تجنيها من تصنيفها على أنها بيضاء: « [مفهوم تفوق البيض] ... على الأقل يشير إلى كل الأشخاص البيض كجزء من كتلة مهيمنة من "البياض"». اعتراضًا على توصيفات التفوق الأبيض كنظام سياسي عالمي يستفيد منه جميع البيض، يؤكد كول أن هذا الاحتلال المسبق للانقسامات العرقية يحجب الأسباب الأساسية والأكثر عمقًا لعدم المساواة والفقر: «إن الآثار المدمرة لاستغلال الطبقة الاجتماعية والاضطهاد تحجبها تأكيدات النظرية العرقية النقدية (CRT) الشاملة لـ "تفوق البيض" أو "امتياز البيض“». وتتجاهل «محاولات القيام بذلك [تجانس الأشخاص البيض باستخدام "تفوق البيض"] العلاقات الاجتماعية الرأسمالية، التي تتخللها الأبعاد الحاسمة للطبقة الاجتماعية، والسلطة، والأيديولوجية».

بالانتقال إلى انتقاد كول السابع لـ "سيادة البيض"، والذي يرتبط بالنقد الثاني الذي تمت مناقشته أعلاه، يؤكد كول كذلك بإن مشكل "التفوق الأبيض" هو «أنه يأتي بنتائج عكسية تمامًا باعتباره موحدًا سياسيًا ونقطة حشد ضد العنصرية».  أحد أسباب ذلك هو أن «إخبار الطبقة العاملة للبيض بأنهم" متعصبون للبيض "بالنسبة للماركسيين، يقوض تمامًا توحيد الطبقة العاملة وهو أمر ضروري لتحدي الرأسمالية والإمبريالية». يواصل كول ربط "تفوق البيض" بحركة "خائن العرقrace traitor-" (RT)، (معنى خائن العرق: أي من انقلب على عرقه أو قيمه لصالح أولئك الذين يضطهدونه، أي كره الذات أو الشخص الذي يخجل من أصله وتراثه)، التي تسعى إلى إلغاء "امتياز العرق الأبيض" كخطوة ضرورية نحو تجاوز الرأسمالية وعدم المساواة الرأسمالية. في النهاية، تم رفض حركة (RT) من قبل كول لثلاثة أسباب: لأنها عُرضة لسوء الفهم والتوصيف الخاطئ على أنها أيديولوجية سياسية موازية للفاشية؛ لأنها تُبالغ في التأكيد على ثنائي (أسود / أبيض) عند تحليل العرق والعنصرية؛ ولأن ليس لديها رؤية لماهية أهدافها الخاصة للمستقبل.

يرى البعض أن علماء النظرية العرقية النقدية يلزمهم كامل الترحيب (CRT) بتشكك كول في حركة خائن العرق RT)) على أساس أن هذه الحركة لا تقدر تمامًا طبيعة سيادة البيض المتعددة الأوجه. في الواقع، كما يشير ليوناردو، فإن التخلي عن قاعدة امتياز الأبيض من قبل الأشخاص البيض كما دعت إليه حركة خائن العرق (RT)، هو في أفضل الأحوال، حل جزئي فقط للمشاكل التي يطرحها وجود تفوق البيض، لأن المكونات الهيكلية لسيادة البيض ستظل كما هي، رغم قيام الحركة بالأعمال الفردية المتمثلة في عدم الاعتراف بامتياز العرق الأبيض، سيستمر منح سيادة البيض للأشخاص الذين تم تحديدهم من البيض، سواء هم اختاروا بأنفسهم قبول التسمية ب "الأبيض" أم لا. في الآونة الأخيرة، أسقط أندروز حركة خائن العرق (RT) من التقليد الراديكالي الأسود المعاصر، مؤكدًا أن حركة (RT) تقلل من قوة تفوق البيض على مستوى العالم، وتركز كثيرًا على دور العملاء البيض كقوة دافعة للعمل التحرري المناهض للعنصرية. لا ينبغي أن يقود الاعتراف بوجود تفوق البيض إلى حركة خائن العرق(RT) باعتبارها الرد الوحيد. ومع ذلك، يبقى السؤال عما إذا كان المفهوم الماركسي الجديد للعنصرية أقل إشكالية من مفهوم النظرية العرقية النقدية (CRT) لتفوق البيض وما إذا كان ينبغي أن يحل محله التنظير حول طبيعة العنصرية.

 

العنصرية ومفهوم سيادة البيض:

من غير الخلاف نسبيًا بين الماركسيين وعلماء النظرية العرقية النقدية CRT)) أن العنصرية هي ظاهرة حقيقية وأن المحاولات المتكررة والمستمرة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة لتصنيف الناس إلى أعراق مميزة ذات خصائص مميزة، تخدم مصالح النخبة الاقتصادية البيضاء. قدم جيلبورن مثالًا حديثًا لتحليل النظرية العرقية النقدية (CRT) لإحدى الطرق التي يتم بها تسهيل التمييز العنصري. يجادل جيلبورن بشكل مقنع بأن الأفكار العلمية الزائفة حول الوراثة الجينية للذكاء والتي تؤكد أساسًا بيولوجيًا لفجوة التحصيل الأكاديمي للأبيض والأسود في المملكة المتحدة، حيث يتم طرح نظام التعليم، إلى الآن، من قبل علماء وراثيين موثوقين، على الرغم من الأدلة العلمية الدامغة التي تتعارض مع هذه الادعاءات. ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق، كما يتابع جيلبورن، أن هذه الأفكار العلمية الزائفة التي تدعي أن التلاميذ السود أقل قدرة أكاديمية وراثيًا من التلاميذ البيض، لديها تأثير غير متناسب مع صانعي السياسات التعليمية في المملكة المتحدة وأن العلماء الذين يروجون لهذه الأفكار يحظون بمصداقية كبيرة من قبل السياسيين البيض، ولا سيما تلك التي تؤطر الأفكار العرقية في المجال التعليمي.

على نفس المنوال، جادل جيلبورن أيضًا أنه، لا سيما في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، هناك دافع مستمر لإنشاء أساس علمي للاعتقاد بأن الأشخاص البيض مهيئون وراثيًا للحصول على درجات ذكاء أعلى من السود، بغض النظر عن عدد المرات التي تم فيها فضح هذه الأفكار على أنها نتاج أسلوب علمي معيب. علاوة على ذلك، فإن هذه المحاولات لتحديد الأسباب الجينية للاختلافات في معدل الذكاء والتحصيل الأكاديمي بين الأشخاص البيض والسود تصاغ في " عدم وضوح العرق" وأصبحت أكثر دقة، مع مؤيدي هذه الأفكار، نادرًا ما يذكرون العرق مباشرة في تحليلاتهم، لتجنب الاتهامات بالعنصرية الصريحة أو الانغماس في العلوم الزائفة العرقية (الاتهامات التي كانت في السابق مدمرة للغاية بعد نشر النص العلمي الزائف (‘The Bell Curve’. ومع ذلك، فإن هذه الادعاءات تشير بقوة إلى اختلاف وراثي في مستويات الذكاء لمجموعات مختلفة تم تحديدها عنصريًا وتسعى إلى التجسيد وإعطاء المصداقية العلمية للفئات العرقية التي أصبحت قديمة علميًا منذ عقود، من المحتمل أن تكون النتائج المترتبة على السياسة التعليمية وممارسة هذه العنصرية المدفوعة بالعلم الزائف مدمرة للتلاميذ السود.

عمليات المحاولات المستمرة (إعادة) عنصرية الناس وفقًا للفئات البيولوجية القديمة (بشكل أساسي، ولكن ليس بالكامل، بناءً على ثنائي أسود / أبيض أو أوروبي / أفريقي) التي وصفها جيلبورن ليست مماثلة تمامًا لعمليات التمييز العنصري التي وصفها كول (انظر أعلاه)، على الرغم من أن نتائجهما المحتملة متشابهة. بشكل حاسم، لا يلجأ جيلبورن إلى أنماط الإنتاج عند وصف هذه العمليات المعاصرة من التصنيف العنصري، كما أنه لا يناشد أي مفاهيم ماركسية فريدة أخرى. ومع ذلك، فإن وصف جيلبورن لهذه المحاولات الجديدة لتوفير أساس علمي للفئات العرقية البيولوجية التي تم تجاهلها سابقًا، يُظهر أن مفهوم التمييز العنصري يتوافق مع تحليل النظرية العرقية النقدية (CRT) للعنصرية وهو مساهم في إعادة التدوير المستمر وتجديد الأفكار والممارسات العنصرية.

الاختلاف الجوهري بين نموذج النظرية العرقية النقدية (CRT) المستنير لجيلبورن لعملية التمييز العنصري التي نوقشت أعلاه، ومفهوم كول الماركسي الجديد للعنصرية يتمثل بالنسبة لجيلبورن، بأن العنصرية هي جزئيًا، نتيجة لتفوق البيض وليست مفهومًا يمكن أن يحل محله. بالنسبة لكول، كما رأينا، فإن التمييز العنصري هو تفسير بديل لتجربة العنصرية المستمرة من قبل الأشخاص الملونين في العالم الغربي، وهو مفهوم، عند تفسيره بالكامل، لن يتضمن أي إشارة إلى مفهوم النظرية العرقية النقدية (CRT) لتفوق البيض. تمت الدعوة من منظور راديكالي أسود معاصر إلى أن المقاربات الماركسية لشرح ومواجهة العنصرية في العالم الحديث غير كافية لعدد من الأسباب. تنتقل هذه الحجج إلى المفهوم الماركسي الجديد للعنصرية وتقدم أسبابًا مقنعة، على عكس كول، لعدم التخلي عن مفهوم النظرية العرقية النقدية(CRT)  لـ "تفوق البيض". لا تظهر هذه الحجج أن منظور كول الماركسي الجديد حول العنصرية غير صحيح، أو تم استبداله. بدلاً من ذلك، يتضح أنه يجب تطوير ماركسية أكثر دقة وحساسية للألوان، وأن مفاهيم النظرية العرقية النقدية (CRT) مثل "سيادة البيض" يمكن التعامل معها كإضافات مفيدة للنظرية الماركسية، حيث أن "تفوق البيض" و "العنصرية" هي مفاهيم نظرية متكاملة وليست متنافسة.

 

الحركات المتطرفة:

1-كو كلوكس كلان Ku Klux Klan :

وُلدت حركة كو كلوكس كلان (KKK) في القرن التاسع عشر بعد الحرب الأهلية، وهي ليست حاليًا حركة وحدوية. يعود تاريخ نسختها الأولى إلى عام 1865، والتي أسسها قدامى المحاربين، على الرغم من أنها اكتسبت طابعًا أكثر رسمية في عام 1915. وقد أدى الانجراف العنيف للمنظمة إلى توقيع الرئيس يوليسيس س. غرانت على قانون الحقوق المدنية لعام 1871، الذي كان من بين أهدافه قتل (KKK). في عام 1915، تم تأسيس (KKK) الثانية، بالتزامن مع العرض الأول لفيلم » ولادة أمة-« The Birth of a Nation ، الذي يصور المجموعة الأصلية الأولى في الأساطير. وصل عدد أفراده إلى 5 ملايين عضو في عشرينيات القرن الماضي، وفقد الزخم في الحرب العالمية الثانية بسبب دعمه للنازية وسلسلة واسعة من الفضائح. ابتداءً من الأربعينيات من القرن الماضي، توقفت الحركة عن كونها وحدوية، مما أفسح المجال لوجود عدد كبير من المجموعات المستقلة التي تبنت هذا الاسم، يركز خطابها على كراهية الأجانب، تفوق البيض، رهاب المثلية الجنسية، معاداة السامية، العنصرية ومعاداة الشيوعية. استمر ارتباطها بالعنف لأكثر من قرن. وهي تعتبر حركة في تراجع، مع قبول سلبي من قبل المجتمع والإعلام والقادة السياسيين. لديها حاليا فقط بضعة آلاف من المتابعين. من بين المجموعات التي استمرت، تبرز فرسان كو كلوكس كلان (أركنساس) وفرسان ميسيسيبي البيض (ADL)، المجموعات التي يتم إنشاؤها باستمرار لها عمر قصير جدا، إذ تم تقليص نشاطات حركة كو كلوكس كلان (KKK) إلى حد كبير، خاصة خلال مرحلة انطلاقه. في الوقت الحالي، يعد نشر كتيبات نشاطهم الأكثر بروزًا، كما يفعل فرسان ميسوري الأمريكيون التقليديون - Traditionalist American Knights of Missouri والفرسان المخلصون البيض في نورث كارولينا - The Loyal White Knights of North Carolina، مثل الكتيبات المصاحبة للحلوى أو الألعاب الصغيرة.

2-القومية البيضاء White nationalism:

إنها الفئة الأوسع، وتضم أولئك الذين تدعو أيديولوجيتهم إلى الفصل، سياسيًا واقتصاديًا، بين البيض والأعراق الأخرى، والذين يُعتبرون أدنى من الناحية الفكرية والجسدية والأخلاقية. وبالتالي، فإنهم يتشاركون في الأيديولوجية مع بقية الأنماط، على الرغم من أنهم يتجنبون الرموز وطريقة ارتداء ملابس النازيين الجدد أو حليقي الرؤوس. من بين بعض المجموعات التقليدية، يبرز مجلس المواطنين المحافظين - The Council of Conservative Citizens  (CCC){منظمة أمريكية تدعو الى سيادة البيض}، و على الرغم من أنهم عانوا من فقدان العضوية في السنوات الأخيرة، لا يزال مجلس المواطنين المحافظين قادرًا على نشر رسالته، كما حدث في يونيو 2015 مع جريمة الكراهية التي نفذها ديلان ستورم روف Dylann Storm Roof (مؤيد سيادة البيض وقاتل جماعي). من الضروري الإشارة إلى ما يسمى باليمين البديل- The alt-right، الذي استلزم إعادة صياغة القومية البيضاء، حيث يشير المصطلح إلى المحافظين الجدد، على عكس التقليديين، الذي يتجنب الصواب السياسي ويحتضن مواقف قريبة من تفوق البيض ومظاهر عنصرية أخرى. تم استخدام المصطلح لأول مرة من قبل الفيلسوف السياسي المحافظ بول جوتفريدPaul Gottfried، الذي قام بصياغة تعبير "المحافظون القدماء" للابتعاد عن المحافظين المهيمنين في الحزب الجمهوري. في عام 2010، أعطى ريتشارد سبنسر Richard Spencer -مدير معهد السياسة الوطنية ذات التوجه العنصري المناصر لفكرة سيادة البيض - هذا الاسم، الحق البديلAlternative Right ، لمدونة حيث عمل من خلالها على تحسين المبادئ الأيديولوجية لحركة اليمين البديل. على الرغم من أن أيديولوجية القوميين البيض تتصدر مجموعة واسعة من القضايا، إلا أنها تعتبر "الهوية" أي القومية البيضاء، هي أهم قضية من أجل الدفاع عن ثقافتهم وقيمهم، إنهم يرفضون التنوع والتعددية الثقافية ويستخدمون الدعاية، وهي تقنية كلاسيكية للتلاعب السياسي، للإشارة إلى المجتمعات العرقية الأخرى (السود والمهاجرون) على أنهم يتسببون في شرور الأمة والإجرام. تتجلى الحركة من خلال ما يسمونه "cuckservative"، وهو مزيج مهين من عبارة {cuckhold} (من طائر الوقواق، الذي يضع بيضه في أعشاش الطيور الأخرى، ولكن أيضًا كتعبير جنسي يشير إلى استثارة البيض عند مشاهدة جماع نسائهم مع السود) وكلمة{conservative} بمعنى"المحافظ". وبهذا التعبير يشيرون إلى أولئك الذين يركزون على الدستور والحرية الاقتصادية والفردية، مقارنة بمكانتهم كجماعة، تركز على الأمة والعرق والحضارة والثقافة.

كما أنهم يركزون خطابهم السياسي على الهجرة، مع مخاوف مثل انخفاض خصوبة النساء البيض، فكرتان نوويتان بالنسبة لهم: لقد فشل البيض في الدفاع عن مصالحهم وهناك مؤامرة يهودية (تستند في أغراضها على دراسات أستاذ علم النفس في جامعة كارولينا كيفين ماكدونالد). يضيفون إلى الخطاب العنصري والمتفوق طابعًا مناهضًا للنظام، بمزيج من الأيديولوجيات: مناهضة النسوية، الإسلاموفوبيا، معاداة السامية، القومية العرقية، الشعبوية اليمينية، القومية البيضاء، الرجعية، الأهلانية، النزعة القومية، الحركة الرجعية الجديدة والهوية (الحفاظ على الثقافة)، في مواجهة الحركات الأخرى، يحاولون كثيراً تكريس بُعد ثقافي محمي، بجهاز إعلامي قوي، مع الابتعاد عن رموز التفوق التقليدي، مثل "14 كلمة“.  (14 كلمة هي إشارة إلى الشعار المكون من 14 كلمة "يجب علينا تأمين وجود شعبنا ومستقبل الأطفال البيض"، صاغها في الأصل ديفيد لين عضو مؤسس للمنظمة العنصرية الارهابية "The Order" التي تدعو لسيادة البيض، وكانت بمثابة صرخة لحشد من القوميين البيض المتشددين في جميع أنحاء العالم).   

3-النازيون الجدد Neo-Nazism :

يعود تاريخ أول مجموعة أمريكية للنازيين الجدد إلى الخمسينيات من القرن الماضي، وهو الحزب النازي الأمريكي- American Nazi Party بقيادة جورج لينكولن روكويل- George Lincoln Rockwell، على الرغم من وصوله إلى الذروة مع التحالف الوطني  The National Allianceفي التسعينيات، والذي أسسه أحد تلاميذ روكويل : ويليام لوثر بيرسWilliam Luther Pierce- -كاتب الرواية التي تصرح بالعنصرية والمعادية السامية "يوميات تيرنرThe Turner Diaries"- و وصول عدد أفراد الحزب إلى أكثر من 1500 عضو، حدث بعد ذلك انقسام في المجموعة بسبب وفاة بيرس في عام 2002، مما أدى الى اقتتال داخلي.كانت اريان نايشنز- Aryan Nationsمجموعة نازية جديدة رئيسية أخرى في التسعينيات، وغارقة أيضًا في نزاعات على السلطة الداخلية بعد وفاة زعيمها ريتشارد جيرنت بتلر Richard Girnt Butler  في عام 2004.

حاليًا، أهم مجموعة هي الحركة الاشتراكية الوطنية - The National Socialist Movement تختصر (NSM) في ديترويت بولاية ميشيغان، والتي يبلغ عدد أعضائها 350 عضوًا، والمشاركة العالية في الأنشطة الإجرامية، هي علامة على تراجع هذا النوع من الجماعات. إلى جانبها، هناك العديد من المجموعات الصغيرة التي لا تتعدى الفرد الواحد أو العشرين عضوًا، إلى جانب عدد كبير من النازيين الجدد الذين لا ينتمون إلى أي منظمة.في عام 2016، طور العديد من القادة جهدًا لتحقيق تحالف، يُعرف باسم الجبهة القومية (والذي يجمع بين الحركة الاشتراكية الوطنية، وآريان ستريكفورس-Aryan Strikeforce، وحزب العمال التقليديThe Traditionalist Worker Party -). يعلنون أنفسهم في حججهم، على أنهم موقف ثالث، مناهض للرأسمالية والشيوعية، وضد اليهود والعولمة وأنصار الاشتراكية القومية.

 4-حليقي الرؤوس سيادة البيض :White power skinhead 

عنصرية حليقي الرؤوس ليست سوى فرع من فروع حركة حليقي الرؤوس (إلى جانب الفروع التقليدية وخط آخر ضد العنصرية). يعود أصلها إلى السبعينيات من القرن العشرين، بفكر مماثل للنازيين الجدد، على الرغم من أنها تتميز بثقافتها الفرعية: الوشم، والشعر المحلوق، والأزياء مع أحذية العمل ذات الأصابع القدم المسطحة، والموسيقى التي تركز على رسائل الكراهية وترسيخ العنف، يعتبر فيلم "American History X" بمثابة انعكاس حقيقي لهذه الحركة. أما المجموعات البارزة فتشمل: هامرسكين – The  Hammerskins، نادي فينلاندرز الاجتماعيVinlanders Social Club، وهو فرع من سابقتها؛ الجبهة الأمريكية American Front والتحالف الأبيض الأعلىSupreme White Alliance. ومع ذلك، كما هو الحال مع النازيين الجدد، فإن معظم الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الأيديولوجية ليس لديهم انتماء مباشر لمجموعات معينة، يعملون على المستوى المحلي أو الإقليمي. ومن السمات الأخرى لأعضائها استخدام العنف كنشاط ترفيهي، مع نزهات جماعية تهدف إلى تحقيق مواجهة جسدية مع ضحاياهم. جرائم الكراهية التي يرتكبها حليقي الرؤوس متعددة، حيث تسلط الضوء على مقتل امرأة بيضاء في فينيكس في عام 2009، لمرافقتها رجلاً أسوداً، حيث تم إطلاق النار عليهما، من طرف آرون شميدت Aaron Schmidt وترافيس ريتشي Travis Ricci، ينتميان إلى نادي فينلاندرز الاجتماعي Vinlanders Social Club، أما وايد مايكل بيج Wade Michael Page، مرتكب جريمة قتل ستة أشخاص في معبد للسيخ في أوك كريكSikh temple in Oak Creek في ويسكنسن سنة 2012، كان عضوًا في هامرسكين Hammerskin.

5-الهوية المسيحية Christian Identity:

حركة طائفية تتبنى تأويلات عنصرية ومعاداة السامية والنصوص المقدسة. من بين أمور أخرى، يعتبرون أن الله خلق الناس غير البيض في نفس الوقت الذي خلق فيه الحيوانات، مخالفا لميقات خلق البيض. يعتقد بعض الأتباع أيضًا أن اليهود هم من نسل علاقة جنسية بين حواء والثعبان. مع هذه السوابق الأيديولوجية، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أنها وراء العديد من نظريات المؤامرة في العقود الماضية، مع الحفاظ على الروابط مع بقية الجماعات المشار إليها، مثل KKK أو Aryan Nation. ومن بين ممثليها الرئيسيين ريتشارد بتلرRichard Butler وبيت بيترز Pete Peters    ومارك فتوماسMark Thomas. إحدى القراءات المفضلة والمقدسة لهذه الحركة هو كتاب ريتشارد كيلي هوسكينز Richard Kelly Hoskins (حراس العالم المسيحي: قصة الكهنوت فينياس Vigilantes of Christendom: The Story of the Phineas Priesthood).

على الرغم من ركود الحركة، مع وجود 21 مجموعة حالية وفقًا لـ مركز قانون الحاجة الجنوبي The Southern Poverty Law Center تختصرSLPC))، مع توفرها على قرابة المائة واعظ في جميع أنحاء البلاد، يمثل الإنترنت وسيلة جديدة لتفاعلهم، فقد قاموا من حين لآخر بأعمال العنف مثل حرق المساجد والمعابد اليهودية. كانت الحالة الأبرز هي قضية لاري ستيفن ماكويليامز Larry Steven McQuilliams، في عام 2014، منفذ إطلاق النار على أماكن متعددة في أوستن، تم العثور على نسخة من كتاب "مراقبو العالم المسيحي" في سيارته مع ملاحظة مكتوبة بخط اليد يعلن فيها نفسه كاهنًا لكهنوت فينياس (تتضمن إيديولوجية كهنوت فينياس معتقدات الهوية المسيحية).

6-الكونفيدرالية الجديدة Neo-Confederates :

هذه مجموعات كانت تتوق للأوقات التي سبقت الحرب الأهلية، والتي تسعى إلى استعادة بعض الجوانب قبل الصراع: العبودية، والفصل العنصري والقوانين الانتخابية، من بين أمور أخرى. مركز تفكيرها هو دونية العرق الأسود. تبرز رابطة الجنوب، داعية للانفصال، وأدت إلى مواقف أكثر تطرفا وعنصرية. دعا رئيسها، مايكل هيل Michael Hill، في عام 2011 للانضمام إلى المقاومة المسلحة. في عام 2015 أظهر استعداده لبدء حرب عرقية مع السود. هذه المجموعات الكونفدرالية الجديدة هي بديل للعضوية في مجموعات مثل KKK والتي يُنظر إليها أحيانًا على أنها منتهية الصلاحية وعفا عليها الزمن.

7-العصابات الإجرامية في السجون Criminal gangs in prisons:

هذا التصنيف قابل للنمو، حيث المجموعة الأولى المعروفة بهذا التصنيف هي جماعة الإخوان الآريةThe Aryan Brotherhood ، التي ظهرت في الستينيات داخل سجن ولاية كاليفورنيا، إذ تحدد حالياً رابطة مكافحة التشهير أكثر من 100 مجموعة، معظمها يتضمن عبارة جماعة الأخوة الآرية في الاسم. 

بعض هذه المجموعات، مثل دائرة آريان Aryan Circle (تكساس) لديها أكثر من 1500 عضو، يمكن أن تصل جماعة الإخوان الآرية في تكساس إلى 2000 عضو، يتم نشاطها داخل السجون وخارجها على حد سواء، مع مشاركة قوية في أنشطة الجريمة المنظمة، والأيديولوجية هي خاصية إضافية وثانوية: التهريب والاتجار بالمخدرات والسرقة والجرائم الأخرى واللجوء إلى العنف الفوري. تُعتبر جماعة الإخوان الآرية في تكساس هي الجماعة المتطرفة التي ارتكبت أكبر عدد من جرائم القتل، تقارب 32 جريمة منذ عام 2000، منها 10٪ فقط لأسباب كراهية، مقابل 40٪ بسبب المواجهات الداخلية.

8-الحركات الأخرى  Other movements:

تشير رابطة مكافحة التشهير إلى وجود مجموعات لا يمكن تصنيفها في الفئات السابقة، مثل حركة الإبداع-Creativity Movement، المعروفة أيضًا باسم كنيسة الخالق العالمية-World Church of the Creator، والتي يعود تاريخها إلى السبعينيات، مع زعيم من النازيين الجدد ولكنها تجذب العديد من حليقي الرؤوس.

Odinism-Heathenry-الهيثانية هي حركة معترف بها كديانة وثنية جرمانية جديدة في العديد من البلدان، تحاول توحيد التراث الوثني لوسط وشمال أوروبا، ويعتبر الإله المركزي بالنسبة لها هو الإله أودين، يُعرف أيضًا باسم Ásatr، وعلى الرغم من أنها ليست دينًا عنصريًا بشكل مباشر، إلا أنها تجذب جزءًا من النازيين الجدد البيض وحليقي الرؤوس، على الرغم من رفضها من قبل القوميين البيض والهوية المسيحية. ربما يرجع السبب الى أن Ásatrú مقصور على أولئك الذين لا ينحدرون من الجرمانية، حيث يُطلق على أعضائها اسم الوثنيين، ولكن ليس بالمعنى التحقيري المعتاد. كما تم اعتناق الديانة الهيثانية أو الأودينية من قبل منتقدي المسيحية، وهي ديانة يرون أنها لينة ومتسامحة للغاية، أنشأها العرق الأبيض، كذلك تعتبر حركة توسعية لفرض السيادة البيضاء. أيضا كان ينتمي فرايزر جلين كروس- Frazier Glenn Cross لهذه الحركة، وقد قتل 3 يهود وأعدم بعد محاكمته، بالإضافة إلى كونه من أتباع KKK، كانت لديه قناعات Odinist الراسخة.

 

الممارسات النشاطية للحركات المتطرفة:

ينتج عن هذه الحركات المتطرفة، مجموعة واسعة من الأنشطة تتمثل في: الكراهية والتخريب والمظاهرات العنيفة والدعاية وخطاب الكراهية والتحريض وجرائم الكراهية والأنشطة النموذجية للجريمة المنظمة مثل السيطرة على الأسواق غير المشروعة والإرهاب. بالتالي، تتجسد الممارسات النشاطية في أشكال متعددة، والتي تتجلى أيضًا في أوروبا: عصابات الشباب، والنخب البيضاء، وحليقي الرؤوس، والقدرة على العمل كمجموعات الجريمة المنظمة (عصابات الدراجات النارية)، والجهات الفاعلة المنفردة (بريفيك Breivik ) والجماعات شبه العسكرية (مثل بعض مجموعات النازيين الجدد أو الرابطة الإنجليزية في أوروبا).

تعمل الحركات المتطرفة على القيام بأشكال تقليدية في أنشطتها هي: الاحتجاجات والمظاهرات وعقد المناسبات الاجتماعية، تركز هذه الأعمال على انتقاد الإجراءات الحكومية أو الأجناس والمجتمعات، على الرغم من أن لها طابعًا متنوعًا للغاية: الدفاع عن رموز المسيحيين الكونفدراليين في الجنوب، والاحتجاجات ضد حركة Black Lives Matter، وإحياء ذكرى ممثلي الجماعات المتعصبة، والمظاهرات التي تطالب بـحرية تجمعات KKK المدانة أو الكلاسيكية التي تنتهي بصلبان محترقة. المظاهر الأخرى لنشاط هذه الحركات المتطرفة هي تنظيم الحفلات الموسيقية والتجمعات الاجتماعية. بصرف النظر عن وجود المطبوعات المتخصصة، التي تتتبع الخطوط الأيديولوجية لسيادة البيض، هناك أيضًا خط موسيقي يسمى "موسيقى القوة البيضاء-White power music " مع تسميات لتسجيلات مثل سجلات المقاومة، هذه التسمية توصف بأنها "الموسيقى التصويرية للثورة البيضاء"، لديهم أيضًا مجلة مرتبطة بالتحالف الوطني لوليام بيرس.

 

بعض مظاهر وأشكال سيادة البيض:

1-العبودية Slavery:

يعود أصل كلمة Slavery –العبودية - الى القرون الوسطى اللاتينية sclavus  ، قادمة من السلاف، ظهرت الكلمة لأول مرة في البندقية في وقت كان معظم العبيد سلاف من البلقان، من المنطقة التي أصبحت "سلافونيا". أما العبودية لغة: فنجد في معجم اللغة العربية المعاصرة أن العبودية هي مصدر عبد، وتعني استرقاق، خلاف الحرِّيَّة والاستقلال، ووقوع الشَّخص تحت قهر داخليّ أو خارجيّ. أما معنى العبودية كمفهوم اصطلاحي: هي حالة الشخص الذي يخضع للتبعية المطلقة لسيد لديه إمكانية استخدامه كسلعة مادية. إنه حرمان بعض الأشخاص من حريتهم من قبل أشخاص آخرين، بهدف إخضاعهم للعمل القسري، عادة بدون أجر. من الناحية القانونية، يعتبر العبد ملكًا لسيده. على هذا النحو، يمكن شراؤه أو تأجيره أو بيعه كشيء. إذن، يشير مصطلح العبودية إلى نظام اجتماعي اقتصادي يقوم على صيانة واستغلال الناس في هذه الحالة والذين يشكلون طبقة من العبيد. تجارة الرقيق هي تجارة الأفراد المحرومين من حريتهم في السابق.كانت العبودية ممارسة متكررة عبر التاريخ وبين العديد من الشعوب (المصريون القدماء، والرومان، والشرق الأوسط، وأفريقيا، والصين، والولايات المتحدة، والمستعمرات الغربية ...). بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر، أتاحت تجارة الرقيق التي عملت على جلب ملايين من العبيد من إفريقيا السوداء التطور السريع لاقتصاديات العالم الجديد وأوروبا، وذلك بفضل قوة عاملة رخيصة وسهلة.

2-تجارة الرق عبر المحيط الأطلسي The Atlantic slave trade:

تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وهي جزء من تجارة الرقيق العالمية التي نقلت ما بين 10 و12 مليون أفريقي مستعبد عبر المحيط الأطلسي إلى الأمريكتين من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر. كانت هذه هي المرحلة الثانية من ثلاث مراحل لما يسمى بالتجارة الثلاثية، حيث تم شحن الأسلحة والمنسوجات والنبيذ من أوروبا إلى إفريقيا، والعبيد من إفريقيا إلى الأمريكتين، والسكر والبن من الأمريكتين إلى أوروبا.

بحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر، كانت السفن البرتغالية تنقل الأفارقة لاستخدامهم كعبيد في مزارع قصب السكر في جزر الرأس الأخضر وماديرا في شرق المحيط الأطلسي، كما أخذ الغزاة الاسبان العبيد الأفارقة إلى منطقة البحر الكاريبي بعد عام 1502، لكن التجار البرتغاليين استمروا في السيطرة على تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي لمدة قرن ونصف آخر، من قواعدهم في منطقة الكونغو -أنجولا على طول الساحل الغربي لأفريقيا. بعد ذلك أصبح الهولنديون أهم تجار الرقيق خلال أجزاء من القرن السابع عشر، وفي القرن التالي سيطر التجار الإنجليز والفرنسيون على حوالي نصف تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، حيث أخذوا نسبة كبيرة من حمولتهم البشرية من منطقة غرب إفريقيا بين السنغال والنيجر الأنهار. كذلك تم نقل أكبر عدد من العبيد الأفارقة السود إلى الأمريكتين خلال القرن الثامن عشر، عندما سجل وفقاً لتقديرات المؤرخين، ما يقرب من ثلاثة أخماس الحجم الإجمالي لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.

3-قوانين جيم كرو  Jim Crow Laws:

ظهرت قوانين جيم كرو في الولايات الجنوبية بعد الحرب الأهلية الأمريكية، إذ تم سن القانون لأول مرة في ثمانينيات القرن التاسع عشر من قبل المشرعين الذين شعروا بالمرارة لخسارتهم في الشمال ونهاية العبودية، ففصلت القوانين بين الأعراق في جميع مناحي الحياة، لقد خلق الحاجز التشريعي الناتج عن المساواة في الحقوق نظامًا مفضلاً للبيض وقامعاً للسود، وهو شكل مؤسسي من عدم المساواة نما في العقود اللاحقة بمساعدة المحكمة العليا الأمريكية. لكن، على الرغم من أن القوانين تعرضت للهجوم على مدار نصف القرن التالي، إلا أن التقدم الحقيقي ضدها لم يبدأ حتى بدأت المحكمة في تفكيك الفصل العنصري في الخمسينيات، حيث تم إلغاء بقايا نظام جيم كرو أخيرًا في الستينيات من خلال جهود حركة الحقوق المدنية.

كانت قوانين جيم كرو أكثر من قوانين صارمة لمناهضة للسود، بل كانت طريقة حياة، تحت حكم هذه القوانين، حيث تم إنزال الأمريكيين الأفارقة إلى مرتبة المواطنين من الدرجة الثانية، والاعتقاد بأنهم أدنى مرتبة فكريًا وثقافيًا من البيض. كما ألقى السياسيون المؤيدون للفصل العنصري خطابات بليغة حول الخطر الكبير للاندماج: اختلاط العرق الأبيض. الأسوأ من ذلك، جميع المؤسسات المجتمعية الكبرى عكست ودعمت اضطهاد السود.

4-سياسة أستراليا البيضاء White Australia policy:

يشمل مصطلح "سياسة أستراليا البيضاء" العديد من السياسات التاريخية التي فضلت الهجرة إلى أستراليا من دول أوروبية معينة، وخاصة بريطانيا العظمى، التي دخلت حيز التنفيذ مع الاتحاد في عام 1901 وتم تفكيك السياسات تدريجياً بين عامي 1949 و 1973، اشتدت المنافسة في حقول الذهب بين عمال المناجم البريطانيين والصينيين والمعارضة النقابية لاستيراد سكان جزر المحيط الهادئ لمزارع قصب السكر في كوينزلاندQueensland - ، التي عززت الطلب للقضاء على هجرة ذوي الأجور المنخفضة من آسيا وجزر المحيط الهادئ أو تقليلها، بعد وقت قصير من تحول أستراليا إلى اتحاد فيدرالي، أصدرت قانون الهجرة المقيدة لعام 1991، فقد تم النظر إلى إقرار هذا القانون على أنه بداية لسياسة أستراليا البيضاء كسياسة للحكومة الأسترالية، وعززت الأعمال اللاحقة السياسة حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث سمحت هذه السياسات بامتياز للمهاجرين البريطانيين البيض على الآخرين خلال العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين.

5-الفصل العنصري Apartheid:

الأبارتايد هو الاسم الذي يطلق على سياسة الفصل العنصري التي تنفذها الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا ضد الأغلبية السوداء، يعود أصل كلمة أبارتايد -apartheid الى اللغة الأفريكانية، وتعني حرفيا "الانفصال".

تأسس الفصل العنصري في عام 1948 من قبل الحزب الوطني، حيث يقوم على أساس التطور المنفصل للسكان وظل العمل قائما به حتى عام 1991، وهو حيز التنفيذ في المؤسسات بناءاً على سياسة الفصل العنصري التجريبية القائمة في جنوب أفريقيا، منذ إنشاء مستعمرة الكيب -The Cape Colony   في عام 1652، فهذه السياسة هي نتيجة الكرب التاريخي للأفارقة والبيض من أصل غير ناطق باللغة الإنجليزية، لأن معظمهم من الهولنديين، الذين طغى عليهم العديد من السكان السود المحيطين بهم. لقد ركز الفصل العنصري على الجوانب الاقتصادية والجغرافية (إنشاء بانتوستان- Bantustan)  وعلى الوضع الاجتماعي وفقًا للأصول العرقية والإثنية.

تم تقسيم السكان إلى أربع مجموعات عرقية متميزة:

- البيض، (حوالي 20٪) منهم 3/5 الأفريكان-Afrikaners و2/5 أنجلوسفير –Anglosphere .

- الهنود (حوالي 3٪) أحفاد المبرمجين المعينين منذ عام 1860 لمزارع قصب السكر.

- الملونون (أشخاص مكونون من عدة أعراق) - Multiracial people  or  Métis، حوالي 9٪ من السكان.

- السود أو بانتويونBantu peoples -، ما يقرب من 70 ٪ من السكان، مقسمة بين مجموعات عرقية مختلفة، وأهمها كوسيون-Xhosas و زولو-Zulu.

بناءاً عما سبق ذكره، نستخلص أنّ الفصل العنصري يحدد نظامًا يعاني فيه جزء من السكان من التمييز والإقصاء على أساس العرق أو الإثنية أو الدين، حيث لا يتمتع السكان بنفس الحقوق ويتم تخصيص أماكن أو وظائف معينة لجزء منهم فقط.

صفوة القول، سيادة البيض ظاهرة اجتماعية معقدة، إنها أيضًا اختراع جديد نسبيًا تم إنشاؤه لفرض السيطرة الأوروبية على العالم بمعنى أنها النظام السياسي غير المسمى الذي جعل العالم الحديث على ما هو عليه اليوم. من خلال المقاربة التاريخية لهذا المفهوم، يبدو وكأنه عملية "طبيعية" حيث تهيمن الأعراق البيضاء "المتفوقة" على غير البيض "الأدنى"، ويتجلى ذلك من خلال مظاهر هذه السيادة، كتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، العبودية، قوانين جيم كرو، سياسة أستراليا البيضاء والفصل العنصري، فمن خلال المراجعة الببليوغرافية للمفهوم، تم استخراج الخصائص ومرتكزات لمفهوم سيادة البيض، مع التركيز على التفسيرات والحجج المقترحة حول "سيادة البيض" بين المفكرين الماركسيين وعلماء النظرية العرقية النقدية (CRT) التي أظهرت أن المفهوم غير كافٍ كتفسير لاستمرار العنصرية في العالم الغربي، وكونه يؤدي إلى نتائج عكسية في تحفيز التحرر الفكري للبيض من التطرف. أيضا تم اعتبار أن المفهوم الماركسي الجديد لـ "العنصرية" يوفر طريقة أفضل لشرح استمرارية وجود العنصرية في العالم الغربي، لأنه يربط فكرة العنصرية بأنماط الإنتاج الرأسمالية ويؤسس لوجود العنصرية واستمرارها، كذلك أظهرت التحليلات المقدمة من منظور الراديكالية السوداء أن ظاهرة سيادة البيض نفسها متجذرة في الحقائق التاريخية والسياسية والاقتصادية للإمبريالية والاستعمار وايديولوجية امتياز العرق الأبيض التي سبقت الرأسمالية. أيضا المقالة سلطت الضوء على الحركات المتطرفة لسيادة البيض، ذات الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة التي تؤمن بتفوق البيض ودونية ما سواهم، بالاختلافات البيولوجية الملموسة، وقد خلقت توتراً وصراعات بين مختلف الجماعات العرقية خاصة بين البيض والأشخاص ذوو الأصول الافريقية. أخيرا، سيادة البيض مفهوم لا غنى عنه لتفسير التمييز العنصري، لأنه لا يمكن، تفسير الطبيعة المتعددة الأوجه للعنصرية، خارج إطار هذا المفهوم.

المصادر والمراجع:

محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، مكتبة لبنان، بيروت،1986.

أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، لسان العرب، المجلد السابع، دار صادر، بيروت، 1997.

غرادين خديجة، إشكالية السيادة والتدخل الإنساني-حالة الدول العربية-، رسالة ماجستير، جامعة أبوبكر بلقايد، تلمسان، 2015.

James Baldwin, Stranger in the Village, Notes of a Native Son, Beacon Press, Boston, Massachusetts, United States, 1955.

The Smithsonian National Museum of African American History & Culture, Talking about race, historical foundations race, nmaahc.si.edu.

https://www.researchgate.net/publication/317012652_Supremacismo_blanco

Gillborn, D, Rethinking white supremacy: who counts in White World’ Ethnicities, 2006.

Dr Sean Walton, Why the Critical Race Theory Concept of "White Supremacy" should not be dismissed by Neo-Marxists: Lessons from Contemporary Black Radicalism, Research Article,  Huddersfield Centre for Research in Education and Society, School of Education and Professional Development, University of Huddersfield, UK .2019.

Ladson-Billings. G. and Tate, W. F. Towards a critical race theory of education.Teachers College Record, 1995.

Merriam-Webster, white supremacy.

Dictionary Cambridge, white supremacy.

Frankenberg, Ruth, Weiße Frauen, Feminismen und die Herausforderung des Antirassismus, In: Fuchs, Brigitte/ Habinger, Gabriele (Hg.): Differenzen, Machtverhältnisse und Solidarität zwischen Frauen, Wien: Promedia, 1996.

Gillborn, D. Racism and Education: coincidence or conspiracy? London: Routledge.2008.

McIntosh, P. White Privilege and Male Privilege: A personal account of coming to see correspondences through work in women’s studies. In: M. Andersen & P. H. Collins (eds), Race, Class, and Gender: An anthology. Belmont: Wadsworth Publishing. 1992.

Leonardo, Z. The Color of Supremacy: beyond the discourse of ‘white privilege’. Educational Philosophy and Theory, 2004.

Dr. neely fuller Jr, the united independent compensatory-code-system-concepts and much more, March 14, 2009.  

Neely Fuller Jr, 9 Areas, producejustice.com, Sept. 2014. 

Olivia Nicole Gilbert, Rhetoric and “Race Traitors”: Reading Charles Mills’ The Racial Contract as Afro-Modern Political Thought, A thesis submitted in partial fulfillment of the requirements for graduation with Honors in Politics, Whitman College, 2019. 

Kasey Henricks, Book Review, Cyber Racism: White Supremacy Online and the New Attack on Civil Rights, by Jessie Daniels, Social Thought and Research, Volume 32, Loyola University Chicago, 2013. 

Cole. M, Critical Race Theory and Education: a Marxist response, 2nd edition, Palgrave Macmillan, New York, 2017.

John Preston, Concrete and abstract racial domination. Power and Education, 2010.

Matthew Clair, Jeffrey S Denis, Racism, Sociology of, Harvard University, Cambridge, MA, USA, McMaster University, Hamilton, ON, Canada, 2015. 

Racism, merriam-webster.com, dictionary. 

Michael Banton, Racism, University of Bristol, UK, John Wiley & Sons, U.S.A, 2016. 

Cole. M, Racism: a critical analysis, Pluto Press, London, 2016.

 Leonardo. Z, Race Frameworks: a multidimensional theory of racism and education,

Teachers College Press, New York, 2013.

Cole. M, On ‘white supremacy’ and caricaturing Marx and Marxism: A response to David Gillborn’s ‘who’s afraid of critical race theory in education’. Journal for Critical Education Policy Studies, 2009.

Cole. M, New Developments in Critical Race Theory and Education: Revisiting racialized capitalism and socialism in austerity. New York. Palgrave, 2017.

Fourteen Words, wikipedia.org. 

l'esclavage, le dictionnaire de politique, toupie.org

White Australia policy, educalingo, dictionnaire, educalingo.com. 

Britannica, transatlantic slave trade, topic, britannica.com. 

l'apartheid, le dictionnaire de politique, toupie.org. 

Jim Crow Laws, legal dictionary, the  free dictionary.com. 

What was Jim Crow, Jim Crow Museum, ferris.edu. 

Racismo,significados.com

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia